
في تطور دراماتيكي هزّ الساحة السياسية الفرنسية والأوروبية، قضت محكمة في باريس بالحكم على الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بالسجن خمس سنوات، منها ثلاث سنوات نافذة وسنتان موقوفتان التنفيذ، إضافة إلى غرامة مالية قدرها 100 ألف يورو. وجاء الحكم بعد إدانته بتهمة التآمر الجنائي في قضية التمويل غير المشروع المرتبط بحملته الانتخابية عام 2007، والتي يُعتقد أن أموالاً من نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي كانت جزءاً منها. ورغم أن المحكمة لم تثبت بالدليل القاطع وصول هذه الأموال فعلياً إلى الحملة، إلا أنها اعتبرت أن المؤامرة في حد ذاتها قائمة ومؤسسة قانونياً، ما جعل الحكم حدثاً غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة.
القضية لم تطل ساركوزي وحده، إذ أدانت المحكمة أيضاً شخصيات مقربة منه مثل وزير داخليته السابق كلود غيون ووزير الداخلية الأسبق بريس هورتيفو، بتهم تتعلق بالمشاركة في التواطؤ الجنائي لكن مع أحكام أخف، ما يعكس اتساع شبكة الاتهامات وعمقها داخل أركان الدولة الفرنسية في تلك الحقبة. وتعود جذور القضية إلى تقارير وتحقيقات انطلقت عام 2012 كشفت عن تحويلات مالية وشهادات مثيرة، لتتحول إلى مسار قضائي طويل انتهى اليوم بحكم اعتبره مراقبون تاريخياً، كونه يضع أحد أبرز زعماء فرنسا أمام مصير جنائي ثقيل.
الحكم أثار صدمة في الأوساط السياسية الفرنسية والأوروبية، وأعاد إلى الواجهة النقاش حول أخلاقيات التمويل السياسي وحدود النفوذ الأجنبي في الحملات الانتخابية، خصوصاً أن القضية تتعلق بعلاقات غامضة بين باريس وطرابلس في عهد القذافي. كما يرى محللون أن الإدانة ستضعف بشكل كبير أي طموحات مستقبلية لساركوزي في العودة إلى الحياة السياسية، وتشكّل رسالة قوية بأن القضاء الفرنسي لن يتهاون مع قضايا الفساد مهما كانت مكانة المتهمين.
محامو ساركوزي أعلنوا فور صدور الحكم أنهم سيستأنفون القرار، مؤكدين أن موكلهم لم يستفد من أي أموال أجنبية، لكن المحكمة شددت على أن الإدانة واجبة النفاذ، ما يفتح الباب أمام احتمال دخول الرئيس الأسبق السجن لأول مرة في تاريخه. وبين الاستئناف والمصير المحتوم، يبقى ساركوزي اليوم عنواناً لجدل سياسي وقضائي سيترك بصمته العميقة على الحياة العامة في فرنسا لسنوات قادمة.