
مستقبل الاقتصاد المغربي يشهد مرحلة حاسمة بين عامي 2025 و2035، إذ يقف المغرب أمام فرصة حقيقية لتحقيق تحول هيكلي عميق. يعتمد هذا المستقبل على مزيج من العوامل المتداخلة، أبرزها توسع الاستثمارات الأجنبية في قطاعات التصنيع المتقدمة مثل السيارات والطيران، وتعزيز مكانته كمصدر رئيسي للفوسفات والأسمدة في العالم، إلى جانب ريادته الإقليمية في مشاريع الطاقات المتجددة. غير أن هذه المؤشرات الإيجابية تواجه تحديات بنيوية معقدة، أهمها ندرة المياه، وتأثر الزراعة بالتغيرات المناخية، وارتفاع بطالة الشباب، وعدم التوازن في التنمية بين المناطق الساحلية والداخلية.
تشير أحدث تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمغرب سيحقق نموًا بنحو 4.4٪ عام 2025، وهو رقم يعكس تعافيًا تدريجيًا بعد تباطؤ السنوات السابقة. أما البنك الدولي فيتوقع نموًا معتدلًا مدفوعًا بقطاعات الصناعة والخدمات، مع ضرورة تطوير الإنتاجية في الزراعة والصناعات الصغيرة. وتشير بيانات المندوبية السامية للتخطيط إلى استمرار الفوارق الاجتماعية والإقليمية، حيث يتركز النشاط الاقتصادي والاستثماري في المناطق الساحلية الكبرى، بينما تبقى الجهات الداخلية أقل استفادة من الدينامية الاقتصادية.
من جهة أخرى، يعزز موقع المغرب الجغرافي قرب أوروبا وارتباطه باتفاقيات تبادل حر مع الاتحاد الأوروبي وعدة دول أفريقية، مما يجعله بوابة استراتيجية للصادرات والاستثمارات نحو القارتين. كما أن تطور القاعدة الصناعية الوطنية خلال العقدين الأخيرين، خصوصًا في قطاعي السيارات والطيران، أسهم في خلق شبكة توريد متكاملة ورفع مستوى الكفاءات المحلية. هذا التوجه الصناعي تعززه استثمارات كبرى مثل توسع شركة “سافران” الفرنسية في المغرب، ما يعكس ثقة المستثمرين في استقرار البيئة الاقتصادية.
إلى جانب ذلك، يظل قطاع الفوسفات ورقة استراتيجية بيد المملكة، إذ تمتلك المغرب أكثر من 70٪ من الاحتياطي العالمي، مما يمنحه دورًا مركزيًا في سلسلة القيمة الزراعية العالمية. وفي الوقت نفسه، تمثل مشاريع الطاقة الشمسية والريحية، وعلى رأسها مجمع “نور ورزازات”، تحولًا بيئيًا واقتصاديًا مهمًا، إذ تقلل من اعتماد البلاد على واردات الطاقة وتفتح آفاقًا جديدة للصناعة الخضراء.
غير أن هذه النجاحات لا تخفي هشاشة بعض القطاعات، خاصة الزراعة التي تتأثر بشكل متزايد بموجات الجفاف وتراجع الموارد المائية. يعتمد جزء كبير من السكان على هذا القطاع، ما يجعل أي أزمة مناخية تهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. كما تعاني سوق العمل من فجوة بين مخرجات التعليم وحاجات الاقتصاد، إذ ترتفع بطالة الشباب رغم توسع بعض القطاعات الإنتاجية.
ويواجه المغرب أيضًا تحديًا في توزيع عادل للثروة بين مناطقه المختلفة، حيث ما زالت بعض المناطق تعاني ضعف البنية التحتية وندرة فرص الاستثمار، وهو ما يولد ضغوطًا اجتماعية متكررة. يضاف إلى ذلك بطء تنفيذ بعض الإصلاحات الهيكلية، رغم اعتماد “النموذج التنموي الجديد” الذي يهدف إلى إعادة صياغة السياسة الاقتصادية والاجتماعية على أسس الكفاءة والشفافية.
تتباين السيناريوهات المستقبلية للاقتصاد المغربي بحسب قدرة الدولة على تسريع الإصلاحات. في السيناريو الإيجابي، حيث يتم تنفيذ إصلاحات فعالة في التعليم وسوق العمل وإدارة الموارد الطبيعية، يمكن للمغرب تحقيق نمو مستدام يتراوح بين 4 و5٪ سنويًا، مع خلق فرص عمل وتحسن ملموس في مستوى المعيشة. أما في السيناريو المتردد، فقد يستمر النمو الاقتصادي دون أن ينعكس بشكل عادل على المجتمع، مما يؤدي إلى اتساع الفوارق الاجتماعية. أما السيناريو السلبي، فيتحقق إذا تعثرت الإصلاحات وتفاقمت آثار الجفاف أو تراجعت الاستثمارات الأجنبية، وهو ما قد يؤدي إلى بطء النمو وارتفاع البطالة وضغط على الميزانية العامة.
لضمان الاتجاه نحو السيناريو الإيجابي، يحتاج المغرب إلى سياسات واقعية في عدة مجالات. أولها تطوير برامج التكوين المهني وربطها بالقطاعات الصناعية الواعدة مثل السيارات والطيران والطاقة النظيفة، مع تحفيز الشركات على إدماج الشباب في سوق العمل. ثانيها إدارة أكثر كفاءة للموارد المائية عبر توسيع أنظمة الري الحديثة، وتشجيع الزراعة المقاومة للجفاف، وتطوير التأمين الزراعي لحماية الدخل الريفي. ثالثها تحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات الإدارية ومحاربة الاحتكار، بما يعزز الثقة في السوق ويجذب استثمارات نوعية. كما يجب الاستثمار في البنية التحتية بالمناطق الداخلية وربطها بالموانئ الكبرى لتوسيع قاعدة الإنتاج الوطني.
إن مستقبل الاقتصاد المغربي لا تحدده الأرقام وحدها، بل جودة السياسات ومدى قدرتها على تحويل الإمكانيات إلى نتائج ملموسة. تمتلك المملكة قاعدة قوية بفضل موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية وتقدمها الصناعي، لكنها تحتاج إلى مزيد من الكفاءة في التنفيذ، والتوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. إذا تمكنت الحكومة من ترسيخ إصلاحات فعالة في الحوكمة والتعليم وإدارة الموارد، فبإمكان المغرب أن يتحول خلال العقد المقبل إلى اقتصاد ناشئ قوي ومستدام. أما إذا استمر التردد في الإصلاحات أو ضعف التنسيق بين السياسات، فسيظل النمو هشًا ومعتمدًا على العوامل الخارجية والمناخية.
تشير التقديرات الدولية إلى أن معدل النمو المتوقع للمغرب خلال السنوات القادمة قد يتراوح بين 3.5 و4.4٪، وهي نسبة قابلة للارتفاع في حال تم تطبيق الإصلاحات بفعالية. يبقى الرهان الأكبر هو الانتقال من اقتصاد مقاوم للأزمات إلى اقتصاد منتج وشامل، يقوم على الابتكار والتعليم والكفاءة المؤسسية، ويجعل من المغرب نموذجًا للتنمية المستدامة في المنطقة المغاربية والأفريقية.











