
في الأيام الأخيرة، عرفت مدن مغربية عديدة موجة احتجاجات سلمية شارك فيها آلاف المواطنين، أغلبهم من الشباب، للمطالبة بإصلاحات في مجالي التعليم والصحة وتحسين الظروف المعيشية. هذه التحركات التي اتسمت بالطابع السلمي والمنظم، لم تُقابل بأي تعليق رسمي من الحكومة المغربية، الأمر الذي أثار نقاشًا واسعًا في الأوساط الإعلامية والسياسية حول أسباب هذا الصمت غير المعتاد.
تحليل المراقبين يشير إلى أن الحكومة اختارت نهج “الصمت الاستراتيجي”، في محاولة منها لامتصاص الغضب الشعبي دون تأجيج الموقف. فالتصريح المبكر، في نظرها، قد يمنح المحتجين اعترافًا سياسيًا غير مرغوب فيه أو يُشعل حماسًا أكبر في الشارع. كما أن السلطات تتابع تطور الأوضاع ميدانيًا عبر القنوات الأمنية، في حين تتريث الجهات الرسمية في إصدار أي بيان أو توضيح.
من جهة أخرى، يرى بعض المحللين أن غياب قيادة واضحة أو تنظيم مركزي لهذه الاحتجاجات — خصوصًا مع بروز ما يُعرف بـ“جيل زد 212” الذي يتحرك أساسًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي — يجعل من الصعب على الحكومة تحديد طرف محدد للحوار أو النقاش، مما يُعقّد عملية التواصل السياسي التقليدي.
ويرجّح آخرون أن الحكومة تتجنب الخوض في تصريحات يمكن أن تُفهم على أنها وعود أو التزامات، خاصة في ظل محدودية الموارد المالية وصعوبة الاستجابة الفورية لمطالب المحتجين. كما أن بعض الوزراء، وفق مصادر إعلامية، يفضلون ترك المبادرة للجهات العليا لتقدير التوقيت المناسب لأي رد رسمي، تفاديًا لأي سوء تقدير سياسي أو إعلامي.
في المقابل، وجّهت شخصيات سياسية وحقوقية انتقادات للحكومة بسبب تجاهلها للاحتجاجات، معتبرة أن الصمت يُضعف الثقة بين المواطن ومؤسساته، ويدفع الشباب إلى مزيد من العزلة السياسية. وقد دعا حزب العدالة والتنمية، في بيان رسمي، الحكومة إلى الإنصات لمطالب المواطنين، مؤكدًا أن التظاهر السلمي حق دستوري مكفول للجميع.
الاحتجاجات الأخيرة لم تشهد أعمال عنف تذكر، ورغم بعض حالات التوقيف، فقد أُفرج عن معظم المعتقلين بعد ساعات من الاستماع إليهم، في مؤشر على أن السلطات تتعامل بقدر من الحذر لتجنب التصعيد. إلا أن الغياب الكامل لأي خطاب رسمي يزيد من شعور المواطنين بعدم الإصغاء، ويترك المجال مفتوحًا أمام التأويلات والقراءات المتضاربة حول نوايا الحكومة وطريقة إدارتها للوضع.
وفي انتظار أي موقف رسمي، يبقى الشارع المغربي في حالة ترقب لما ستؤول إليه الأمور، بينما تتجه الأنظار نحو رد فعل الحكومة المقبل الذي سيحدد إن كانت تراهن على الزمن لتهدئة الغضب، أم أنها تُعد لمبادرة تواصلية تُعيد الثقة بين الدولة والمواطن…