في عالم الرياضات القتالية، تظل رياضة الجودو أكثر من مجرد نزال على البساط؛ إنها مدرسة في الأخلاق والانضباط والاحترام. ومن بين الأسماء التي حملت مشعل تطوير هذه الرياضة في المغرب، يبرز الثنائي صوفيا بلعطار وأيوب سحيتة، اللذان جسّدا معنى الالتزام والشغف في أسمى صورهما، وجعلا من الجودو وسيلة لبناء الإنسان قبل البطل.
يُعدّ أيوب سحيتة من أبرز أبطال المغرب السابقين في رياضة الجودو، حيث سجل مسيرة متميزة كلاعب قبل أن يتحوّل إلى التدريب والتكوين، ليصبح اليوم مدرباً للمنتخب الوطني المغربي للناشئين والكبار، وقاد الفريق الوطني لتحقيق المركز الخامس عالمياً في تصنيف الفرق، بالإضافة إلى حصوله مع المنتخب على المركز الثاني في بطولة إفريقيا للفرق للمنتخب الوطني. كما يشغل أيوب منصب رئيس نادي نجمة سلا، ويجمع بين خبرته كلاعب وكمدرب لإعداد الأجيال الصاعدة، مؤكداً أن الرياضة لا تقتصر على تقوية الجسد، بل تشمل أيضاً غرس قيم الاحترام والانضباط والمسؤولية والروح الرياضية في نفوس الشباب.
أما صوفيا بلعطار، فهي إحدى أبرز الوجوه النسوية في الجودو المغربي والإفريقي، حيث حققت العديد من الإنجازات القارية مثل الفوز ببطولة إفريقيا للجودو والميداليات الفضية والبرونزية في مختلف البطولات والألعاب الإفريقية والفرنكوفونية، لتصبح رمزاً للمرأة المغربية القوية والطموحة التي كسرت الحواجز وأثبتت أن رياضة الجودو ليست حكراً على الرجال. كما أصبحت صوفيا حكمة دولية معترف بها من قبل الاتحاد الدولي للجودو، ما يتيح لها المساهمة في تطوير اللعبة ليس كلاعبة فحسب، بل كقائدة ومرشدة. وتؤكد صوفيا في مسارها أن “البساط لا يفرّق بين رجل وامرأة، بل بين من يملك الإرادة ومن يفتقر إليها”، وهي رسالة تشجع بها الفتيات المغربيات على اقتحام مجال الرياضات القتالية بثقة وعزيمة.
يشكّل أيوب وصوفيا ثنائياً استثنائياً في الوسط الرياضي المغربي، إذ جمعا بين الحياة الزوجية والشغف المشترك برياضة الجودو، ولا يكتفيان بالمشاركة في البطولات والتظاهرات، بل يسعيان أيضاً إلى نشر ثقافة الجودو داخل المؤسسات التعليمية والأندية المحلية من خلال تأطير الأطفال والشباب وتلقينهم أساسيات هذه الرياضة النبيلة. ويريان أن التربية الرياضية عبر الجودو هي وسيلة فعالة لمحاربة الانحراف والعنف لأنها تُعلّم احترام الآخر وضبط النفس والسيطرة على الغضب، ولهذا يكرّسان جهدهما في برامج تدريبية تهدف إلى تحويل طاقة الأطفال إلى طاقة إيجابية وبناءة.
بفضل عطائهما المستمر، أصبح أيوب وصوفيا نموذجين يحتذى بهما في الوسط الرياضي المغربي. فهما لا يريان في الجودو مجرد منافسة رياضية، بل رسالة إنسانية وتربوية تتجاوز حدود البساط، إذ يزرعان في نفوس المتدربين قيم الانضباط والتعاون والتواضع، وهي قيم تجعل من الجودو وسيلة لبناء مجتمع متوازن يحترم القانون ويقدّر الجهد والعمل الجماعي. ويحمل الثنائي رؤية مستقبلية واضحة تهدف إلى الارتقاء بالجودو المغربي إلى مصاف العالمية عبر إعداد جيل جديد من الأبطال القادرين على تمثيل المغرب في المحافل الدولية. وبينما تواصل صوفيا مهامها كلاعبة وحكمة دولية، يواصل أيوب تأطير الشباب بحماس كبير، مستفيداً من خبراته كمدرب وقائد نادي، وكلاهما يؤمن بأن مستقبل الرياضة المغربية يُبنى على أسس من التربية والانضباط والإيمان بالقدرة على التميز.
إن قصة صوفيا بلعطار وأيوب سحيتة ليست مجرد حكاية نجاح رياضي، بل هي ملحمة شغف وتضحية تبرز كيف يمكن للحب المشترك للرياضة أن يتحول إلى مشروع وطني لتكوين الأجيال الصاعدة، حيث يجسدان روح الجودو المغربي الأصيل: الاحترام، الشجاعة، والإصرار على تحقيق الأفضل.








