في قلب العاصمة المغربية الرباط، وعلى مقربة من نهر أبي رقراق، ينتصب ضريح محمد الخامس شامخًا، كصرح معماري فريد يجسد عظمة التاريخ المغربي الحديث، ويخلد ذكرى الملك الذي قاد البلاد نحو الاستقلال، الملك محمد الخامس. يُعد الضريح أكثر من مجرد مكان دفن، بل هو رمز وطني مقدس، يعكس عبقرية العمارة المغربية وروح الوفاء الملكي والشعبي.
نبذة عن محمد الخامس:
ولد الملك محمد بن يوسف (محمد الخامس) عام 1909، واعتلى العرش سنة 1927. كان قائدًا وطنيًا ورمزًا للمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، ووقف إلى جانب شعبه في سبيل نيل الاستقلال. نُفي إلى كورسيكا ومدغشقر عام 1953، لكنه عاد ظافرًا عام 1955، ليعلن بعدها استقلال المغرب سنة 1956. توفي سنة 1961، وترك وراءه إرثًا نضاليًا ووحدويًا عظيمًا.
تاريخ إنشاء الضريح:
تم الشروع في بناء الضريح سنة 1962، بعد سنة واحدة من وفاة الملك محمد الخامس، وذلك بمبادرة من ابنه وخليفته الملك الحسن الثاني. استغرق بناء الضريح عدة سنوات، ليُفتتح رسميًا في السبعينات. يحتضن الضريح اليوم رفات الملك محمد الخامس ونجليه:
_الملك الحسن الثاني (توفي عام 1999).
_الأمير مولاي عبد الله (توفي عام 1983).
الموقع والتصميم المعماري
يقع الضريح على هضبة شالة، قبالة برج حسان، ويطل على نهر أبي رقراق. يتميز الضريح بطراز معماري مغربي-إسلامي تقليدي، يزاوج بين الفخامة والرمزية الروحية.
أبرز ملامح الضريح:
*القبة الخضراء: ترمز إلى الإسلام، وهي مطلية بالبلاط المغربي (الزليج) الأخضر.
*الزخارف والنقوش: مشغولة يدويًا بحرفية عالية، تجمع بين الخط العربي الأندلسي والنقش المغربي التقليدي.
*الأعمدة الرخامية: مصنوعة من رخام أبيض نقي، مستوردة من إيطاليا والبرتغال.
*الزليج المغربي: يغطي الجدران والأرضيات بألوان خضراء وزرقاء هندسية جميلة.
*الباب البرونزي: ضخم، محفور بدقة، يعكس الهيبة والقدسية.
الوظيفة والرمزية:
مكان للزيارة الوطنية: يُعد الضريح مزارًا لكبار الشخصيات والزوار من داخل وخارج المغرب.
رمز للوحدة الوطنية: يجسد نضال المغاربة من أجل الحرية والاستقلال.
ملتقى ديني وروحي: يُقام فيه الدعاء والصلوات في المناسبات الرسمية.
برج حسان المجاور:
يشكل برج حسان والضريح معًا وحدة معمارية وسياحية متكاملة:
يعود برج حسان للقرن 12 الميلادي (العهد الموحدي).
لم يُكتمل بناؤه، لكنه ما زال يُعد من أبرز معالم الرباط.
الساحة المحيطة بالبرج مليئة بالأعمدة الحجرية، ما يزيد من جمالية المكان.
أهمية الضريح اليوم:
وجهة سياحية عالمية: يستقبل آلاف الزوار سنويًا.
محطة رمزية في المناسبات الوطنية: خاصة في عيد الاستقلال وعيد العرش.
معمار خالد: يعكس تمسك المغاربة بتراثهم الإسلامي والمغاربي.
ضريح محمد الخامس ليس مجرد بناء فخم، بل هو صرح وطني مقدس يحفظ ذاكرة قائد الاستقلال، ويخلد تضحياته وتاريخ المغرب المعاصر. إنه مكان يُجسّد اللقاء بين الذاكرة والهوية، بين الفن والدين، وبين الشعب والملك. كل من يزوره، يشعر بخشوع خاص، أمام قبر رجلٍ غيّر مصير أمة.