
يُعدّ ارتفاع ضغط الدم من أكثر المشكلات الصحية انتشارًا عالميًا، ومن أخطرها في الوقت نفسه، ليس لأنه مؤلم أو ظاهر، بل لأنه يتقدّم في صمت، وقد يلازم الإنسان سنوات طويلة دون أعراض واضحة، قبل أن يُفاجئ بمضاعفات تمسّ القلب أو الدماغ أو الكلى. ولهذا تصفه الهيئات الطبية بـ«القاتل الصامت».
ضغط الدم هو القوّة التي يندفع بها الدم داخل الشرايين مع كل نبضة قلب، ويحدث الارتفاع عندما تفقد الأوعية الدموية مرونتها أو يزداد العبء على القلب نتيجة عوامل متعددة، أبرزها التقدّم في السن، الإفراط في تناول الملح، قلة النشاط البدني، التوتر المزمن، السمنة، والعوامل الوراثية. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن نمط الحياة الحديث يلعب دورًا حاسمًا في ارتفاع معدلات الإصابة، حتى بين فئات عمرية شابة.
وتؤكد الإرشادات الطبية أن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في تسجيل أرقام مرتفعة عابرة، بل في استمرار الارتفاع على المدى الطويل، إذ يزيد ذلك تدريجيًا من خطر الإصابة بأمراض القلب، والسكتة الدماغية، وقصور الكلى. وتكمن الإشكالية في أن كثيرًا من المصابين لا يشعرون بأعراض واضحة، أو يفسّرون ما يظهر لديهم من صداع أو إرهاق على أنه أمر عابر لا يستدعي الانتباه.
وتشدّد الجمعيات الطبية المتخصصة، وفي مقدمتها الجمعية الأوروبية لأمراض القلب، على أن التعامل مع ارتفاع ضغط الدم لا يبدأ بالدواء بالضرورة، بل بتعديل نمط الحياة. فخفض استهلاك الملح، والحفاظ على وزن صحي، وممارسة نشاط بدني منتظم، والإقلاع عن التدخين، والتحكم في التوتر، جميعها خطوات مثبتة علميًا في خفض الضغط وتحسين صحة القلب. وعندما لا تكون هذه التدابير كافية، أو عند وجود عوامل خطورة إضافية، يُلجأ إلى العلاج الدوائي تحت إشراف طبي، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالعلاج وعدم إيقافه دون استشارة مختص.
وتجمع المراجع الطبية على أن قياس ضغط الدم بانتظام يُعدّ أبسط وأهم وسيلة للوقاية، لأن الاكتشاف المبكر يتيح السيطرة على الحالة قبل تطورها إلى مضاعفات خطيرة. كما تحذر الإرشادات الصحية من الانسياق وراء الوصفات الشعبية أو المكملات التي تُسوّق بوصفها بدائل للعلاج الطبي، مؤكدة أن أي ادعاء علاجي لا بد أن يستند إلى دليل علمي واضح.
وفي منظور الطب الحديث، لا يُعدّ ارتفاع ضغط الدم حكمًا نهائيًا ولا مرضًا مستعصيًا، بل حالة صحية يمكن التعايش معها بأمان متى توفّر الوعي والمتابعة والالتزام بالعلاج. فالوقاية المبكرة، والانضباط في نمط الحياة، والمتابعة الطبية المنتظمة، تبقى الركائز الأساسية لحماية القلب وسائر أعضاء الجسم من آثار صامتة قد لا تُرى، لكن عواقبها قد تكون بالغة.








