سياسة

عبد اللطيف وهبي الوزير المظلوم

أهم الأخبار

عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، وجد نفسه في قلب عاصفة من الجدل والنقد، على خلفية مقترحاته لتعديل المسطرة الجنائية والقانون الجنائي، بالإضافة إلى رؤيته في مشروع مدونة الأسرة. ورغم تنوع الأصوات المعارضة، يغفل الكثيرون عن حقيقة أن وهبي ليس سوى سياسي يمارس دوره في إطار السياسة الجنائية للدولة، التي تتأثر بشكل مباشر بالتحولات العالمية وبالشروط المفروضة من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، الذي يلعب دوراً محورياً في توجيه السياسات العمومية للدول المقترضة.

الهجوم المتواصل على وهبي يتجاهل السياق العام الذي تُتخذ فيه هذه القرارات. المغرب، كغيره من الدول النامية، يجد نفسه تحت ضغوط اقتصادية هائلة تتطلب اتخاذ خطوات إصلاحية تضمن تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية والالتزام بالمعايير الدولية. وهبي، الذي يدافع عن هذه الإصلاحات، ليس إلا جزءاً من منظومة سياسية تعمل على تحديث الإطار القانوني للبلاد، لجعله أكثر توافقاً مع الاتفاقيات الدولية ومعايير حقوق الإنسان، خاصة في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم.

المغرب يشهد حالياً مستويات مديونية مرتفعة، حيث بلغت الديون الخارجية للمملكة 69.2 مليار دولار، وهو ما يمثل نصف الدخل القومي الإجمالي. خلال 13 سنة الماضية، قفزت نسبة الديون الخارجية بنحو 153%، مما يفرض على الحكومة اتخاذ قرارات إصلاحية جذرية لتجنب أزمات اقتصادية محتملة. كما تجاوز الدين الوطني حاجز 100 مليار دولار لأول مرة، بزيادة بلغت 10% خلال عام واحد. هذه الأرقام تعكس حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة المغربية، وتجعل من الضروري تحديث التشريعات بما ينسجم مع متطلبات المؤسسات المالية الدولية وشروطها.

من جهة أخرى، تمكن المغرب من تقليص عجز المالية العامة من 5.4% إلى 4.4% من إجمالي الناتج المحلي بين عامي 2022 و2023، مما يشير إلى تحسن تدريجي في الوضع الاقتصادي. ومع ذلك، لا تزال الحاجة قائمة لتسريع وتيرة الإصلاحات، خاصة أن المملكة تستعد لاستضافة تظاهرات رياضية عالمية كبرى مثل كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030. هذه الفعاليات ستجذب أنظار العالم نحو المغرب، مما يجعل تحسين المنظومة القانونية والحفاظ على صورة حضارية أمراً حتمياً.

إن الهجوم على وهبي بوصفه المسؤول الوحيد عن هذه الإصلاحات يتناسى أن الوزير ليس سوى واجهة لقرارات تُتخذ في إطار شمولي وتوافقي داخل الحكومة والمؤسسات المعنية. كما أن هذا النقد لا يأخذ في الحسبان أن وهبي يحمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن رؤية تتماشى مع التحديات الراهنة التي تواجه البلاد. تحديث القوانين الجنائية وتعزيز حقوق المرأة والحريات العامة ليست مجرد قضايا داخلية، بل هي جزء من التزامات دولية تعكس مكانة المغرب كبوابة إفريقيا نحو الغرب، ومركز إقليمي للاستثمار والسياحة.

من الظلم اختزال المشهد في شخص وزير العدل، دون النظر إلى الصورة الكاملة التي تتعلق بسياسات دولة بأكملها. وهبي، في نهاية المطاف، ليس سوى مواطن مغربي يسعى إلى أداء دوره الوطني ضمن السياق الذي يُفرض عليه. الهجوم عليه يجب أن يتحول إلى نقاش موضوعي حول التحديات الكبرى التي تواجه المغرب، بدلاً من الانجرار وراء شعارات تستهدف شخصه وتغفل عن جوهر القضية.

في هذا السياق، يجب أن نتذكر أن الأوطان تُبنى عبر جهود جماعية، وأن النقد البناء هو ما يدفعنا إلى الأمام، لا حملات التشهير التي لا تخدم سوى تأجيج الانقسامات. عبد اللطيف وهبي، برغم الانتقادات، يبقى نموذجاً للمسؤول الذي يضع مصلحة وطنه فوق كل اعتبار، حتى لو كان الثمن تحمل عبء الهجوم عليه وحده.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اهم الاخبار

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا