اسلاميات

عندما يُختبر الإيمان في زمن الفتن: كيف يبقى القلب ثابتًا؟

في كل مرحلة من تاريخ البشرية، كانت الفتن علامة فاصلة بين من يحمل الإيمان شكلًا، ومن يحمله جوهرًا. واليوم، تتعدد الفتن وتتغير صورها، لكنها تلتقي في نقطة واحدة: زلزلة القلوب واختبار اليقين. لم تعد الفتنة فقط في المال أو السلطة، بل صارت في الفكر، وفي القيم، وفي سرعة التشكيك، وفي التطبيع مع الباطل باسم الواقعية.

قال النبي ﷺ:
“بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا”.

هذا الحديث لم يعد تحذيرًا نظريًا، بل صار وصفًا دقيقًا لواقع يتغير فيه الناس بسرعة، وتُمسخ فيه الثوابت تحت ضغط المصلحة والخوف والشهوة والهوى.

الثبات في زمن الفتن ليس مصادفة، بل نتيجة وعيٍ عميق بأن الإيمان ليس مجرد كلمات تُقال، بل موقف يُثبت عند الامتحان. فكم من شخص كان يُحسب من الصالحين، فلما اقترب من السلطة أو المال أو الشهرة، انكشف ضعفه وسقط قناعه.

القرآن لم يَعِد المؤمنين براحة الطريق، بل أنذرهم بالابتلاء:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾.
فالإيمان لا يُقاس في أوقات الاستقرار، بل في لحظات الاضطراب، حين يتصارع الحق والباطل داخل القلب قبل أن يتصارعا في الواقع.

الثابتون هم الذين فهموا أن الدنيا مرحلة عبور لا مقام خلود، وأن الموازين عند الله لا تُقاس بحجم النفوذ ولا بعدد المتابعين، بل بصدق النية ونظافة القلب واستقامة السلوك. هم الذين يخطئون فيتوبون، ويضعفون فيستغفرون، ويُحاصرون بالفتن فيلجؤون إلى الله لا إلى المساومات.

وفي زمن أصبح فيه الصمت حكمة عند البعض، والتبرير شجاعة عند آخرين، يبقى الصوت القرآني واضحًا لا يقبل الرمادية:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾.

إن أعظم معركة اليوم ليست بين دول، ولا بين جيوش، بل بين قلبٍ يريد النجاة، ونفسٍ تزين له التساهل في المبادئ. ومن انتصر في هذه المعركة الداخلية، كُتب له شرف الثبات في زمن الانهيار.

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا