حوداث وقضايا ومحاكم

“قانون الشيكات الجديد في المغرب.. من الزجر إلى التسوية والعقلنة”

في خطوة وُصفت بأنها تحول تشريعي لافت في المجال المالي والتجاري، صادق مجلس الحكومة المغربي على مشروع قانون جديد للشيكات يهدف إلى تخفيف الطابع الزجري، وتوسيع آليات الصلح، وإعادة الثقة إلى واحدة من أقدم وسائل الأداء وأكثرها حساسية في المعاملات الاقتصادية.

جاء هذا المشروع، الذي يحمل رقم 71.24، بعد سنوات من الجدل حول الإفراط في العقوبات السالبة للحرية في قضايا الشيكات بدون مؤونة، والتي دفعت الآلاف من المواطنين والتجار إلى المحاكم والسجون. ووفقاً لمعطيات رسمية، فإن المغرب سجّل سنة 2024 ما يفوق 30 مليون عملية شيك بقيمة مالية تتجاوز 1.3 تريليون درهم، في حين بلغ عدد عوارض الأداء أكثر من 972 ألف حالة، ما كشف حجم الأزمة البنكية والقانونية التي تحيط بهذه الأداة المالية.

القانون الجديد يفتح الباب أمام تسوية ودّية شاملة؛ إذ أصبح بإمكان المتورط في قضية شيك أن يسوّي وضعيته في أي مرحلة من مراحل الدعوى، حتى أثناء تنفيذ العقوبة، عبر أداء المبلغ المستحق وإضافة غرامة نسبتها 2 في المئة فقط من قيمة الشيك. وهي نسبة مخفّضة مقارنةً بالنظام السابق الذي كان يفرض غرامة تصل إلى 25 في المئة، إضافة إلى احتمال السجن من سنة إلى خمس سنوات.

كما أدخل المشروع مهلة إنذار تمتد إلى ثلاثين يوماً تمنحها النيابة العامة للساحب لتوفير المؤونة قبل تحريك المتابعة، مع إمكانية تمديد الأجل بموافقة المستفيد، وهو إجراء يهدف إلى تشجيع الصلح وتجنب التصعيد القضائي.
أما في الجانب الإنساني، فقد نصّ القانون على إعفاءات خاصة داخل الأسرة في حال كانت الجريمة بين الأزواج أو الأصول والفروع، مراعاةً للروابط العائلية وحماية للتماسك الأسري.

ويتيح النص كذلك بدائل عن الاعتقال كالمراقبة القضائية أو السوار الإلكتروني، انسجاماً مع السياسة الجنائية الحديثة التي توازن بين الردع والإصلاح. وقد أكد وزير العدل، في عرضه للمشروع، أن الهدف ليس التساهل مع الجريمة بل “تحقيق العدالة التناسبية التي تُميّز بين الإهمال وسوء النية”.

من الناحية الاقتصادية، يُتوقّع أن يُسهم القانون في إعادة الاعتبار للشيك كوسيلة أداء موثوقة بعد أن فقد كثيراً من مصداقيته بسبب الخوف من المتابعات الجنحية. كما من شأنه أن يخفّف العبء على القضاء والسجون عبر تقليص عدد الملفات المعروضة والمتابعات القائمة على أخطاء غير عمدية.

ويرى المراقبون أن هذا التوجّه ينسجم مع الإصلاحات الواسعة التي تعرفها المنظومة القانونية المغربية، الرامية إلى تحديث الاقتصاد الوطني وجعل بيئة الأعمال أكثر استقراراً وجاذبية. فالقانون الجديد لا يكتفي بتقنين الشيك، بل يضع فلسفة جديدة قوامها الوقاية قبل الزجر، والإصلاح قبل العقوبة، والثقة قبل الردع.

إنه تحول يعبّر عن إرادة الدولة في جعل القانون وسيلةً لحماية الاقتصاد لا أداةً لتدميره، وعن رغبةٍ صريحة في أن يتحوّل الشيك مجدداً إلى رمزٍ للثقة التجارية، لا إلى تذكرة عبور إلى المحاكم.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا