
في زيارة أعادت تسليط الأضواء على العلاقة المعقدة بين الرياض وواشنطن، رفض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تناول القهوة العربية التي قُدمت له خلال استقباله من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مشهد لافت أثار الكثير من الجدل والتأويلات. ورغم الطابع البروتوكولي للّقاء، فإن حركة ترامب السريعة برفض الفنجان أثارت تساؤلات، حيث فسّرها البعض على أنها تجاهل لأحد رموز الضيافة السعودية، فيما رأى فيها آخرون مجرد تفضيل شخصي لا يحمل أي دلالات سياسية.
لكن خلف هذا المشهد الرمزي، حملت الزيارة أبعادًا استراتيجية أعمق، تجسدت في توقيع مذكرة تفاهم شاملة بين السعودية والولايات المتحدة، تمحورت حول التعاون في مجالات الأمن والدفاع والاقتصاد. وركزت الاتفاقية على تطوير القدرات العسكرية للقوات المسلحة السعودية، بما يشمل التدريب والتكنولوجيا والتصنيع، في إطار سعي المملكة لتوطين صناعاتها الدفاعية وتعزيز استقلالها العسكري. كما شملت المذكرة التعاون في قطاع التعدين واستغلال الموارد المعدنية، ما يعكس توجهًا سعوديًا لتوسيع القاعدة الاقتصادية بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على النفط، في انسجام مع أهداف “رؤية 2030”.
الزيارة، وإن بدت للوهلة الأولى شكلية، حملت في طياتها إشارات واضحة إلى استمرار متانة العلاقات السعودية الأمريكية، رغم التغيرات السياسية والإدارية على جانبي الأطلسي. وبين فنجان قهوة مرفوض واتفاقيات مليارية، بدا أن المصالح الاستراتيجية قادرة دائمًا على تجاوز الرسائل الرمزية، مهما بدت لافتة في الظاهر.