
المناضلون عندنا هنا من الإسلاميين والقومجيين واليساريين لا يعترفون بكم كمسلمين. ما تتعرضون إليه من إبادة يا أهل السودان لا نظير لها في التاريخ الحديث، ولا تختلف حدتها وقساوتها عن الإبادة الجماعية في رواندا بين التوتسي والهوتو إبان السنوات الثلاث من العقد التاسع للقرن الماضي؛ نفس التشابه ونفس السيناريوهات الوحشية ها هي اليوم تعاد على أرض السودان.
كل ذلك يحدث من تهجير وترحيل واغتصاب وقتل وتقتيل جماعي ودفن الناس أحياء وإحراقهم أطفالًا ونساء وشيوخًا. كلهم متساوون كأسنان المشط أمام منشار التصفية ومقصلة الإعدام. ما يحدث اليوم لهذا الشعب الشقيق الذي يتقاسم مع الشعب المغربي الدين والمذهب والعقيدة لا يحرك ساكنًا ولا شعرة واحدة في رؤوس من ينصبون أنفسهم باحتلالهم للشوارع دفاعًا عن القضايا العادلة، وكأن العدالة عندهم تنحصر فقط في القضية الفلسطينية.
بحثت وفتشت عن موقف أو حتى زلة لسان للسيد عبد الإله بنكيران بخصوص استنكاره لما يحدث لأشقائنا في السودان، فلم أجد في هذا الرجل سوى صمت القبور. وكذلك مع القومجيين أمثال أحمد ويحمان وعزيز هناوي وصنوه غالي، عن أي شيء قد يفسر ثباتهم على المبدأ، فلم أجد ما يوحي لي بذلك. أما السيدة المناضلة نبيلة منيب أو زميلها في الحرفة المناضل نبيل بنعبد الله، تراهما وكأن الطير على رؤوسهما لا يلوكان ولا يلوون على شيء بخصوص القضية السودانية.
هذه الطينة ممن يسمون أنفسهم بالمناضلين ليس لهم مبدأ ولا منطق يحتكمون إليه في تصريف مواقفهم من القضايا الإنسانية. مرجعياتهم أبعد من أن تكون موضوعية، وشعاراتهم التي يرفعونها فيها نوع من المناكفة والابتزاز، فهي لا تخلو من حساباتهم السياسية، لا علاقة لها لا بالبعد الإنساني ولا بمبدأ مناصرة القضايا العادلة أينما وجدت.
فهل الفلسطيني أكثر إسلامًا من السوداني وأقرب إلى الله من غيره؟ وهل قضية الأول أكثر عدالة من قضية الثاني؟ فلماذا دأب الكوفيون على الخروج أسبوعيًا منذ أكتوبر 2023 لمناصرة القضية الفلسطينية ولا ينطقون ببنت شفة حينما يتعلق الأمر بإخواننا في السودان؟ الجواب عن هذا وذاك يفترض ألا يختلف فيه اثنان، والسر في تحديد المواقف عندهم يكمن في وجود إسرائيل كطرف في المعادلة. فالخوانجية عندنا من حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان يبنون مواقفهم على أساس مرجعية الإخوان المسلمين المعادية لما يسمونه في خطابهم السياسي الكيان الصهيوني . أما اليساريون فيرون في ذلك الكيان وجهًا من وجوه الإمبريالية، فيما القومجيون لا يحيدون عن الخط الناصري ولو قيد أنملة في معاداة ذلك التيار لإسرائيل. إذن مواقف هؤلاء جميعًا ليست مبنية بالأساس على دعم القضية الفلسطينية، بل بنيت وتبنى على عنصرية العرق في المعاداة لكل ما هو يهودي.
إلى جانب ذلك، لا يترددون في استحضار هذا العداء في محاصرة العلاقات المغربية الإسرائيلية، ليس دفاعًا عن القضية الفلسطينية ولكن نكاية في المغرب، وفي أمنه واستقراره الذي تعزز ببناء تحالفات جعلت من هذا البلد الأمين في منأى عن المخاطر التي كانت محدقة به. وما يعزز هذا القول أن مواقف التيارات التي أتينا على ذكرها دخلت اليوم مرحلة الأفول والتراجع، وفشلت فشلًا ذريعًا أولًا بسبب ما حققه المغرب من انتصارات ومكاسب يعود الفضل فيها إلى خياراته الاستراتيجية التي كانت تعارضها تلك التيارات، وثانيًا بسبب الانخفاض الملحوظ في منسوب الحرب في قطاع غزة وإذعان قيادة حماس للترتيبات الأمنية تمهيدًا لإدارة قطاع غزة بعيدًا كل البعد عن قبضة حماس وبطشها.
فحماس التي انبطحت قيادتها هي التي كان يراها عبد الإله بنكيران شرف المقاومة الإسلامية، وهي التي قال عنها يومًا ما المقرئ أبو زيد الإدريسي: يا ليتني كنت ترابًا ليمشي فوق جسدي خالد مشعل . اليوم فتشت عن الرجلين لكي يمشي أحدهما فوق الآخر فلم أجد أحدًا منهما، سوى إسرائيل التي مشت فوق كل القيادات التي كتب لها أن تبقى على قيد الحياة من عناصر حركة حماس. فالسيد عبد الإله بنكيران الذي اعترف بنفسه أنه فشل في إسقاط التطبيع، ألا يملك الجرأة اليوم لكي يعترف كذلك بخطئه حينما قال عن تلك المقاومة بأنها جعلتنا ننظر إلى أنفسنا كم نحن صغار أمام رجالها؟ فهذا زمن الاعترافات يا شيخ المناضلين.
وفي هذا الصدد، يبدو أن الزخم الذي أراده أولئك المناضلون إسقاطه على القضية الفلسطينية لم يكن نفسه من حظ القضية السودانية، لأن هذه القضية ليس لإسرائيل ضلع فيها ولا هي طرف في المآسي التي يعاني منها الشعب السوداني، وكأن ظلم ذوي القربى أقل مضاضة من ظلم إسرائيل.
ثم إن المفارقة بين القضيتين من حيث الاهتمام تعود بالأساس إلى التحكم في منسوب الزخم الإعلامي الذي أريد له أن يكون عاليًا بالنسبة للقضية الفلسطينية، في حين أريد له أن يكون باهتًا لكي يتم تغييب القضية السودانية عن المشهد الإعلامي الدولي. فالمناضلون في بلادنا وقعوا في ذلك الشرك لكي يكونوا ضحية هندسة إعلامية بدا واضحًا أنها تتحكم في السلوكيات وردود الأفعال. ولذلك وجب الجهر بالحقيقة المرة، وهي: لكم الله يا أهل السودان .











