
في ظل المتغيرات المتسارعة التي تعرفها الإدارة العمومية، أضحت الحكامة الجيدة والنجاعة المؤسساتية من أهم مؤشرات نجاح المسؤولين داخل أجهزة الدولة، غير أن بعض المناصب، على الرغم من حساسيتها ودورها المحوري، قد تتحول في بعض الأحيان إلى مجرد عناوين فارغة من أي تأثير حقيقي.
هذا ما يطرحه، اليوم، العديد من المتابعين بشأن وضعية المفتش العام بوزارة الشباب والثقافة والتواصل ، والذي، بالرغم من شغله لمنصب استراتيجي، منذ أزيد من أربع سنوات عجاف، أصبح محط تساؤلات متعددة حول مدى تفاعله مع محيطه الإداري، ومدى مساهمته الفعلية في دعم جهود الإصلاح داخل القطاع.
فمن الملاحظ، حسب مصادر إدارية متطابقة، أن المسؤول المذكور يعيش حالة شبه عزلة، حيث لا يربطه أي تواصل فعلي مع المديرين المركزيين، كما يغيب تماماً عن دوائر التنسيق مع الكاتب العام للوزارة، مما يثير علامات استفهام حول تموقعه الحقيقي داخل منظومة اتخاذ القرار.
والمثير أكثر، أن القرارات الوزارية، التي عادة ما يتم ترتيبها داخل هرم الأولويات التنفيذية، تُسجل المفتشية العامة، في ذيل التنفيذ أو خارج نطاق المشاورات المؤثرة. فهل يعود ذلك إلى تجاهل مقصود؟ أم أن الأمر يعكس عدم قدرة المفتش العام على فرض نفسه كشريك مؤسسي فعال داخل المنظومة الوزارية؟
في سياق المهام الموكولة للمفتشيات العامة، لا سيما ما يتعلق بـتقييم المخاطر، وتتبع جودة الأداء، وتقديم اقتراحات تصحيحية، فإن غياب الأثر الواضح لمقترحات المفتش العام قد يُفسر بعدم قيامه بدوره الكامل، أو على الأقل بعدم نجاحه في إيصال تصوراته بشكل مؤثر.
ويبقى السؤال الجوهري:
هل نحن أمام مسؤول تم تهميشه قسراً، أم أمام مسؤول لم يستطع تفعيل دوره بالشكل المطلوب؟ وهل يُعقل أن تظل مؤسسة بهذه الأهمية معطلة وظيفياً، في وقت يتزايد فيه الضغط على الإدارة العمومية لتحقيق أعلى درجات الفعالية والشفافية؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة، في نهاية المطاف، لا يمكن أن تتم بمعزل عن إجراء تقييم موضوعي لأداء المفتشيات العامة، وتحديد ما إذا كانت تلعب أدوارها الرقابية والتنموية كما يجب، أم أنها تحوّلت إلى مجرد هياكل شكلية تُفرغ من مضمونها بفعل غياب الكفاءة أو العزلة الإرادية.