اسلاميات

ليلة الجمعة… نفحات ربانية وموعدٌ أسبوعيّ للقرب والسكينة

تحتل ليلة الجمعة مكانةً خاصة في الإسلام، فهي الليلة التي تسبق خير أيام الأسبوع، وتحمل في طياتها نفحات إيمانية عظيمة، جعلت منها محطةً أسبوعية لتجديد الصلة بالله، ومراجعة النفس، وتهذيب الروح. وقد دلّ القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال العلماء على عظيم فضل هذا الوقت المبارك، وإن كان فضل الليلة تابعًا لفضل اليوم.
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
وهذه الآية الكريمة دليل واضح على شرف يوم الجمعة، وقد أجمع المفسرون على أن ليلته داخلة في فضله لأنها مفتتحه وبدايته.
وفي السنة النبوية، وردت أحاديث كثيرة تؤكد مكانة هذا اليوم وليلته، فقد قال رسول الله ﷺ:
«خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمس يومُ الجمعة»،
وهو حديث صحيح يبيّن منزلة الجمعة بين سائر الأيام.
ومن أعظم ما يُستحب في ليلة الجمعة ويومها الإكثار من الصلاة والسلام على النبي ﷺ، إذ قال عليه الصلاة والسلام:
«أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة عليّ»،
وهو توجيه نبوي يعكس شرف الزمان وشرف العمل فيه.
كما ارتبطت الجمعة بفضل قراءة سورة الكهف، حيث قال رسول الله ﷺ:
«من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين»،
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن وقت قراءة السورة يبدأ من ليلة الجمعة بعد غروب شمس الخميس، وهو ما يجعل هذه الليلة موطنًا للنور والوقاية من الفتن.
وتحمل الجمعة خصوصية عظيمة في الدعاء، إذ قال النبي ﷺ:
«فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه»،
وقد رجّح كثير من أهل العلم أن تحرّي هذه الساعة يبدأ من ليلة الجمعة، ويبلغ ذروته في آخر ساعة من نهارها، ما يجعل من الليلة زمن رجاء وأمل.
وقد أكّد العلماء هذا الفضل في أقوالهم، فقال الإمام النووي رحمه الله إن الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ في ليلة الجمعة ويومها من السنن المؤكدة، وقال ابن القيم رحمه الله إن ليلة الجمعة تابعة ليومها في الفضل، وكان السلف يعظّمونها بالذكر والدعاء وقراءة القرآن. كما نُقل عن الإمام الشافعي قوله: “بلغنا أن الدعاء يُستجاب ليلة الجمعة ويومها”، بينما بيّن ابن حجر العسقلاني أن لليل الجمعة حكم يومها عند كثير من أهل العلم.
ولم يكن تعظيم ليلة الجمعة عند السلف تعظيمًا شكليًا، بل كان سلوكًا إيمانيًا عمليًا، يقوم على ترك اللغو، والإقبال على الذكر، والاستعداد ليوم الجمعة بالنية الصادقة والطهارة القلبية قبل الطهارة الظاهرة.
إن فضل ليلة الجمعة لا يتحقق بطقوس مبتدعة أو أعمال لم تثبت، وإنما بإحياء السنن الثابتة من ذكر، وصلاة على النبي ﷺ، وقراءة القرآن، ودعاء صادق نابع من قلب حاضر. فهي ليلة يُفتح فيها باب الرجاء، ويُجدد فيها العهد مع الله، وتُغسل فيها أثقال الأسبوع.
فطوبى لمن أدرك فضل ليلة الجمعة، وأحياها بطاعة ووعي، وجعل منها موعدًا أسبوعيًا مع السكينة، في زمن كثرت فيه الضوضاء وقلّ فيه الصفاء

جواد مالك

مدير عام و رئيس تحرير جريدة أهم الأخبار الدولية. أمين عام الإتحاد الدولي للشعراء والأدباء العرب (فرع المملكة المغربية). أمين سر منظمة أواصر السلام العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا