في مشهد سياسي متوتر يتجاذبه التأزم الداخلي والتحديات الإقليمية، يسود جو من القلق في الجزائر، حيث يشعر كبار العساكر في قصر المرادية بتهديدات متزايدة على سلطتهم. يأتي هذا في وقت حساس، بعد أن تمكنت المعارضة السورية، التي صمدت لأكثر من 13 عامًا، من الإطاحة بنظام بشار الأسد، الحليف الوثيق للنظام العسكري الجزائري. هذا الحدث الدولي، الذي هز أركان بعض الأنظمة الحاكمة في المنطقة، دفع نشطاء جزائريين إلى إطلاق حملة رقمية تحت عنوان “مرانيش راضي” احتجاجًا على الأوضاع السياسية والاجتماعية المتدهورة في البلاد. الحملة، التي تعبر عن استياء واسع في الشارع الجزائري، طالبت بتغيير إيجابي ملموس، يتجسد في عودة العسكر إلى ثكناتهم وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية.
الجزائريون، الذين يعانون من أزمة اقتصادية خانقة، باتوا غير قادرين على تحمل المزيد من الوعود الفارغة. في بلد يزخر بموارد طبيعية ضخمة، مثل النفط والغاز، يجد المواطن نفسه يعاني للحصول على أبسط المواد الغذائية، مثل الزيت والحليب والبطاطس. ومع ذلك، يبقى النظام العسكري في الجزائر مصرًا على مواصلة سياساته التي تتجاهل واقع المواطنين المعيش، بل ويصرف مليارات الدولارات في دعم ميليشيات البوليساريو، متجاهلًا احتياجات الشعب الأساسية. هذا التوجه يعكس عدم اكتراث القادة العسكريين بمشاكل الشعب، ويشدد على تمسكهم بسياساتهم الموروثة التي تضمن لهم البقاء على رأس السلطة.
وفي الوقت الذي يُنتظر فيه التحرك الفعلي من جانب الحكومة لتخفيف معاناة المواطنين، تواصل الحملات الإعلامية المعادية للمغرب وأي تحرك تنموي في المنطقة. من خلال هذه السياسات، يسعى النظام العسكري الجزائري إلى التشويش على نجاحات جيرانه في المغرب، وتحقيق مصالحه الخاصة على حساب استقرار المنطقة. لكن، وعلى الرغم من الدعم الذي يتلقاه مشروعه الانفصالي، فإن الأزمة الداخلية في الجزائر تزداد عمقًا، مما يهدد بتفاقم الأوضاع الاجتماعية والسياسية.
في ظل هذا السياق المعقد، يظهر الشعب الجزائري في الشوارع ومنصات التواصل الاجتماعي، معلنًا رفضه القاطع للوضع الراهن. المطالبة بالتغيير لم تعد مجرد شعارات، بل صرخة فزع من حياة يضطر المواطن الجزائري لخوضها يومًا بعد يوم، في مواجهة فساد مستشري وأزمات متفاقمة. والمفارقة أن النظام العسكري، الذي يواصل تمويل مشروعاته العسكرية والنزاعية، يترك الشعب يواجه حياة بائسة في بلد يعد من أغنى البلدان العربية والإفريقية.
إن الجزائر اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يستجيب النظام العسكري لمطالب الشعب بالتغيير، أو أن تواصل الأزمات تصاعدها، مما قد يؤدي إلى تحول جذري في المشهد السياسي الجزائري.