
شهدت إسبانيا والبرتغال في 28 أبريل 2025 انقطاعًا كهربائيًا واسع النطاق أدى إلى تعطيل حاد في مختلف مناحي الحياة اليومية بالبلدين، مع تأثيرات تخطت حدودهما الجغرافية لتطال شبكة الإنترنت في دول مجاورة مثل المغرب. هذا الانقطاع المفاجئ، الذي أثار حالة من الارتباك والتساؤلات، دفع الحكومات إلى التحرك السريع وسط اتهامات وشكوك بوجود هجمات سيبرانية، وهو ما نفته التحقيقات الأولية لاحقًا.
في إسبانيا، توقفت القطارات والمترو بشكل شبه كامل، وشُلت حركة المرور بعد تعطل إشارات الضوئية في عدة مدن كبرى مثل مدريد وبرشلونة. كما تعرضت المستشفيات لصعوبات في العمليات الحيوية، واضطرت إلى إلغاء العديد من التدخلات الجراحية. أما في البرتغال، فقد أعلنت الحكومة حالة طوارئ محدودة بعدما أثرت الأزمة على البنية التحتية الأساسية، لاسيما المطارات والاتصالات.
ورغم تداول أنباء عن احتمال تعرض الشبكات لهجمات إلكترونية، أوضحت شركة تشغيل شبكة الكهرباء البرتغالية REN وشركة Red Eléctrica الإسبانية أن الأسباب الرئيسية تعود إلى اضطرابات جوية استثنائية تسببت في فقدان التزامن بين شبكات الكهرباء عالية الجهد، مع عدم وجود دليل مباشر على تعرض الشبكات لهجوم سيبراني. وأكدت وكالات الأمن السيبراني في كلا البلدين أن التحقيقات جارية، لكنها ترجح الأسباب التقنية حتى الآن.
الأثر لم يتوقف عند حدود إسبانيا والبرتغال، إذ شهد المغرب بدوره اضطرابًا ملحوظًا في خدمات الإنترنت، خاصة في المناطق الشمالية. وقد عزت شركات الاتصالات المغربية ذلك إلى تأثر الكابلات البحرية وأنظمة الربط البيني بشبكات الإنترنت الأوروبية، التي تعتمد بشكل كبير على مراكز بيانات ونقاط عبور رئيسية تقع في شبه الجزيرة الإيبيرية. ومع تعطل هذه الشبكات مؤقتًا نتيجة لانقطاع الكهرباء، تراجعت جودة الاتصال بالإنترنت في المغرب بشكل ملحوظ، مما أثر على خدمات البث، الاتصالات عبر الإنترنت، والتعاملات البنكية الإلكترونية.
وقد أظهرت هذه الأزمة هشاشة التشابك الرقمي والطاقي في غرب البحر الأبيض المتوسط، وكشفت عن مدى الترابط العميق بين البنى التحتية في أوروبا وشمال إفريقيا. وتدعو الأصوات المتخصصة اليوم إلى ضرورة تعزيز الشبكات المحلية، وإنشاء مسارات بديلة للربط الدولي، لضمان استمرارية الخدمات الحيوية في أوقات الأزمات.
في مواجهة هذه التطورات، أكد رئيس الوزراء البرتغالي لويس مونتينيغرو أهمية العمل على زيادة استقلالية شبكة الكهرباء الوطنية، فيما أشار نظيره الإسباني بيدرو سانشيز إلى تسريع خطط تحديث شبكات الطاقة والبنية الرقمية في البلاد. من جانبهم، دعا خبراء مغاربة إلى تسريع مشاريع الربط المباشر مع أوروبا عبر مسارات أكثر استقرارًا، وإعادة النظر في اعتماد الشبكات المغربية على مراكز بيانات أوروبية معرضة لمثل هذه الاضطرابات.
لقد شكل انقطاع الكهرباء الواسع هذا جرس إنذار حقيقي للحكومات والمؤسسات، مبرزًا أهمية الاستثمار في بنية تحتية للطاقة والإنترنت أكثر مرونة وتحصينًا، بما يضمن استدامة الخدمات الحيوية أمام أزمات المستقبل، سواء كانت طبيعية أو ناتجة عن اختلالات تقنية مفاجئة.