مال و أعمال

الذهب يعتلي عرش التاريخ: الأونصة تتجاوز 3800 دولار في صعودٍ يعيد رسم خريطة النظام المالي العالمي

شهدت الأسواق العالمية اليوم صعودًا غير مسبوق في أسعار الذهب، إذ تجاوزت الأونصة حاجز 3800 دولار للمرة الأولى في التاريخ، لتسجّل بذلك لحظة فاصلة في مسار المعدن الأصفر الذي عاد مجددًا ليتربع على عرش الملاذات الآمنة في عالمٍ يغرق في القلق الاقتصادي والسياسي.
وبحسب بيانات “رويترز”، ارتفع الذهب الفوري بنسبة 1.1% إلى 3801.88 دولار، فيما بلغت العقود الآجلة لتسليم ديسمبر 3831.90 دولارًا للأونصة، وسط تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.2% وزيادة رهانات الأسواق على خفض قادم في أسعار الفائدة الأمريكية.

هذا الصعود التاريخي لا يمكن اعتباره مجرد موجة ظرفية، بل هو تحوّل استراتيجي في سلوك المستثمرين والمؤسسات المالية الكبرى التي تعيد النظر في هيمنة الدولار كمرجع عالمي، في ظل مؤشرات اقتصادية متباطئة ومخاوف متزايدة من ركود أمريكي محتمل.

البيانات الاقتصادية الأخيرة في الولايات المتحدة، خصوصًا مؤشر الأسعار المفضل للفيدرالي (PCE)، أظهرت تباطؤًا واضحًا في التضخم، ما رفع احتمالات خفض الفائدة في أكتوبر بنسبة 90% وفي ديسمبر بـ65% وفق أداة “فيد ووتش” من مجموعة CME. ومع كل إشارة إلى تخفيف السياسة النقدية، تتسع شهية الأسواق نحو الذهب الذي يزداد بريقًا كلما انخفض العائد على الدولار والسندات.

وراء هذا الارتفاع أيضًا عوامل جيوسياسية مركبة. فالتوترات في شرق أوروبا، وتصاعد الصراع في الشرق الأوسط، وتخوف الأسواق من إغلاق حكومي أمريكي، كلها تغذي رغبة الحكومات والبنوك المركزية في تنويع احتياطاتها. وتشير تقارير “رويترز” و”وورلد غولد كاونسل” إلى أن مشتريات البنوك المركزية من الذهب تجاوزت 1000 طن سنويًا منذ 2022، في توجه واضح نحو تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي.

في المقابل، تراجعت مشتريات الحلي الذهبية بنسبة 14% في الصين والهند، وهما أكبر سوقين استهلاكيين للمعدن، بينما ارتفعت استثمارات الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب (ETFs) إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2020، حيث بلغت حيازات “SPDR Gold Trust” أكثر من 1005 أطنان.

اقتصاديًا، يمكن قراءة هذا الارتفاع كـ إشارة على أزمة ثقة عميقة في الاقتصاد العالمي. فالعائد الحقيقي على سندات الخزانة الأمريكية لعشر سنوات انخفض، ومعه تراجع جاذبية الأصول الدولارية، فيما يجد المستثمرون في الذهب ملاذًا لا يتآكل مع الزمن ولا يرتبط بقرارات البنوك المركزية.

ويضاف إلى ذلك أن مؤشر الدولار الضعيف يرفع تلقائيًا الطلب على الذهب، خاصة من المستثمرين غير الأمريكيين، ما جعل المعدن يلمع أكثر وسط ضباب الاقتصاد الدولي.

أما في المغرب، ورغم أن الدرهم مرتبط بسلة عملات تتكون من 60% من اليورو و40% من الدولار، فإن استمرار ضعف العملة الأمريكية يعني أن المستوردين المغاربة قد يستفيدون نسبيًا من تراجع الكلفة الدولارية، في حين أن ارتفاع الذهب يفتح آفاقًا جديدة للمستثمرين المحليين الباحثين عن أدوات آمنة في ظل تقلبات الأسواق.

الذهب اليوم لم يعد مجرد معدن نفيس يُقتنى للزينة أو الادخار، بل رمز لعودة العالم إلى أصل القيمة، في زمن تتهاوى فيه العملات بفعل الديون والتضخم وتآكل الثقة في المؤسسات المالية التقليدية. وإذا استمر الفيدرالي في التيسير النقدي، فإن سقف 3800 دولار قد لا يكون إلا محطة على طريق نحو مستويات جديدة ستجعل من عام 2025 عامًا استثنائيًا في تاريخ المعدن الذي لا يصدأ.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا