
تُعد مراكز النداء الخاصة في المغرب واحدة من أسرع القطاعات نموًا، حيث توفر فرص عمل لآلاف الشباب، خاصة أولئك الذين يتقنون اللغات الأجنبية. ورغم أن هذه المراكز تُعتبر بوابة للاندماج في سوق العمل، إلا أن الوجه الآخر لهذا المجال يكشف عن بيئة عمل قاسية مليئة بالتحديات النفسية والجسدية، حيث يجد الموظفون أنفسهم في دوامة من الضغوط، التسلط الإداري، ضعف الأجور، والتحرش، ناهيك عن الطرد التعسفي لأتفه الأسباب.
يُعاني العاملون في مراكز النداء من ساعات عمل طويلة تصل أحيانًا إلى 12 ساعة يوميًا، حيث يُفرض عليهم استقبال عدد كبير من المكالمات يوميًا والالتزام بمعايير صارمة للأداء، ما يجعلهم عرضة للإجهاد والتوتر الدائم. الضغط النفسي الناجم عن التعامل المستمر مع العملاء الغاضبين أو غير المتفهمين يزيد من معاناة الموظفين، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإرهاق النفسي والاحتراق الوظيفي. كما أن الجلوس المطول أمام الشاشات واستخدام السماعات لساعات متواصلة يسبب مشاكل صحية مزمنة، مثل آلام الظهر، الصداع المستمر، واضطرابات السمع، الأمر الذي يدفع البعض إلى الإدمان على المسكنات للتخفيف من الألم.
لكن المشكلة لا تتوقف عند الضغوط النفسية والجسدية، إذ تعاني بيئة العمل في العديد من مراكز النداء من سوء المعاملة والتسلط الإداري. يشتكي العديد من الموظفين من ممارسات بعض المشرفين الذين يتعاملون معهم بطريقة تحقيرية، تصل أحيانًا إلى السب والشتم والتقليل من شأنهم علنًا. كما أن الطرد التعسفي يشكل كابوسًا يطارد العاملين، حيث يتم الاستغناء عنهم لأسباب واهية مثل التأخر لدقائق أو عدم تحقيق الأهداف المقررة خلال فترة قصيرة. هذا الوضع يجعلهم يشعرون بعدم الأمان الوظيفي والخوف الدائم من فقدان مصدر رزقهم.
إلى جانب ذلك، تتزايد شكاوى الموظفات من تعرضهن للتحرش داخل بيئة العمل، سواء من بعض الزملاء أو حتى من المسؤولين الذين يستغلون ضعف آليات الحماية داخل هذه الشركات. في كثير من الحالات، لا تجد الضحايا أي جهة تلجأن إليها خوفًا من الانتقام أو الفصل التعسفي، ما يجعل هذه الظاهرة أكثر انتشارًا مما يتم الإبلاغ عنه.
كل هذه العوامل تجعل من الضروري البحث عن حلول جذرية لتحسين ظروف العمل في هذا القطاع. توفير دعم نفسي للموظفين من خلال أخصائيين يمكن أن يساعد في التخفيف من الضغط الذي يعانون منه، كما أن تقليل ساعات العمل ومنح فترات راحة منتظمة سيؤثر إيجابًا على صحتهم الجسدية والنفسية. إلى جانب ذلك، يجب فرض رقابة أكثر صرامة على الممارسات الإدارية داخل مراكز النداء، ووضع آليات لحماية الموظفين من التسلط والتحرش والطرد التعسفي.
ورغم أن مراكز النداء تظل قطاعًا اقتصاديًا مهمًا في المغرب، إلا أن استمرارها بهذا الشكل قد يدفع المزيد من الشباب إلى العزوف عنها والبحث عن بدائل أخرى، مما قد يضر بهذا المجال على المدى البعيد. الإصلاحات المطلوبة ليست فقط مسؤولية الشركات، بل يجب أن تكون هناك تدخلات قانونية تحمي حقوق العاملين وتضمن لهم بيئة عمل إنسانية تحفظ كرامتهم وسلامتهم النفسية والجسدية.