
في حيّ من أحياء مدينة سلا، سكن الفرح بين البيوت، وتناقل الجيران خبراً طال انتظاره: مروان، ابن الحي المعروف بابتسامته ونخوته، يعقد قرانه على كوثر، فتاة طيبة جاءت من حيّ آخر، لا تجمعها به الجذور ولا النشأة، لكن جمعهما التفاهم، وربط بينهما حبل الود منذ النظرة الأولى.
بدأت الاستعدادات كما جرت العادة، بمشاورات ، وترتيبات تُبذل فيها المحبة قبل الجهد. ليلة الحناء كانت أولى إشارات العرس، حضرتها النساء، وغمرتها الأغاني والدعوات. تحيط بها نساء العائلة وصديقاتها، تبتسم بهدوء، وتستسلم للفرح كما يُستسلم للعطر، في لحظة لا تُنسى.
أما يوم العرس، فكان عنوانًا للبهجة. القاعة امتلأت بالوجوه، القريبة منها والبعيدة، ورُسمت الفرحة على تفاصيل اليوم كما يُرسم النور على جدار قديم. دخل العريس بخطى واثقة، تُرافقه نظرات الامتنان، ثم أطلت العروس، واستقبلها المكان بزغاريد تُشبه التحايا القديمة، التي تُقال مرة في العمر وتبقى.
توالت لحظات الحفل كما يتوالى الحُلم، لا ضجيج زائد ولا تصنع. الحاضرون تبادلوا التهاني، والضحكات، والذكريات التي تختلط بالواقع دون إذن. كانت الموسيقى تملأ الفراغات، وتدفع بالمشاعر نحو البهجة، والفرح يمشي بين الطاولات كضيف لا يُسأل من أين جاء.
لم يكن ذلك العرس مجرد مناسبة، بل كان لحظة التقاء بين عالمين، بين حيّين، بين أسرتين قررتا أن يبدآ طريقًا جديدًا بمحبة ورضا. لم تكن كوثر من الجيران، لكنها صارت منهم، ولم يكن مروان من عائلتها، لكنه صار الأقرب.
وهكذا، من قلب مدينة سلا، دوّى الفرح بصوتٍ مغربي أصيل، عرسٌ جمع الأحباب، وبصم ذاكرة حيّ بلحظة ستُروى لسنوات، لا على لسان من حضر فقط، بل في كل بيت عرف معنى الفرح حين يكون نابعًا من القلب.