
في قلب فرنسا، وعلى مسرح مؤسساتها الجامعية والطبية، تبرز حالات فردية تكشف زوايا مظلمة من تجربة المهاجرين، خاصة أولئك الذين يواجهون تحديات نفسية وقانونية واجتماعية معًا. قضية الباحث والروائي ياسين الغماري ليست مجرد حادثة منفصلة، بل علامة على تراكم تجارب يعايشها كثيرون بين صمت رسمي وصعوبات مؤسساتية. هذا المقال يستعرض المضايقات التي يتعرض لها المهاجرون، ويحلّل كيف تكتمل التجربة عندما تتقاطع مع هشاشة نفسية ومطلب حقوقي.
وفق بيانات رسمية، إن المهاجرين ومن ينتسبون للهجرة، خاصة أولئك من أصول غير أوروبية، يصرحون بأنهم يعانون من معاملة غير متساوية في الحياة اليومية: في العمل، السكن، المدارس، وحتى في الأجهزة الطبية. يُطلب منهم دوماً توضيح أصولهم، وتُستخدم ملامحهم “المعينة” للتمييز.
بدءًا من الميزان القانوني، المهاجر غالبًا ما يواجه بيروقراطية معقدة في الحصول على وثائق الإقامة أو تجديدها، ويُحتمل أن تُرفض طلبات بسيطة لأسباب شكلية. كما أن الخدمات التي يُفترض أن تكون حماية قانونية، مثل الصحة النفسية، تتعرض للتجاهل أو الإهمال أو حتى الإساءة.
المهاجر الذي يعيش تجربة مثل التي يرويها ياسين الغماري: يتعرض للإساءة اللفظية، الشك في شخصيته، وإنكاره ككاتب، ويُهدد بأن يُحتجز قسريًا، كلها ممارسات تُفاقم من العزلة النفسية. كثيرون في المهجر يشعرون بأنهم مجبورون على الدفاع عن هويتهم وثقافتهم وشهاداتهم معتبرينها موطئ قدم لهم داخل المجتمع.
حالة ياسين الغمري: تجسيد تجارب الهامش
حالة الغمري تحمل عناصر عدّة تجعلها نموذجًا للمضاعفات:
المضايقة تحت مظلة “الرعاية النفسية”
وصفه بأن الأخصائية النفسية استخدمت الجلسات لفرض ممارسات روحية غير تقليدية يُثير تساؤلات حول حدود المهنة والمسؤولية الطبية.
عندما يُنكر عليك أن تكون كاتبًا أو ينفوا شهاداتك، ليس هذا مجرد إساءة فردية، بل محاولة لمحو اللغة الثقافية والمعرفية التي يحملها المهاجر؛ إنه تهميش للهوية.
التهديد بالإقامة الإجبارية أو النقل القسري
هذا يظهر جسامة الحالة، لأن الاحتجاز الصحي القسري يخضع لقوانين صارمة في فرنسا، ولا يُنفّذ إلا بعد إثبات الحالة النفسية بوضوح. لذا فإن حديث الغماري عن محاولة نقل قسري يفتح باب الانتقال من الاطلاع الفردي إلى البعد الحقوقي العريض.
الحقوق القانونية
المهاجر لديه حقوق مستندة إلى القوانين الفرنسية والدولية: الحق في المعلومة، الحق في الصحة، الحق في الحماية القانونية، الحق في التعبير والهوية. أي انتهاك لهذه الحقوق يمكن الطعن فيه قانونيًا، بما في ذلك أمام قضاء الحريات في فرنسا أو المنظمات الحقوقية الدولية.
دور المؤسسات المدنية والإعلامية
الإعلام المحايد، المنظمات غير الحكومية، ومجالس حقوق الإنسان، يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في نشر الوعي، تقديم الدعم القانوني والمادي، ورصد الانتهاكات. هذه المؤسسات غالبًا ما تكون جسرًا بين الضحية والمساءلة.
كثير من المهاجرين لا يجرؤون على التحدث خوفًا من الترحيل، من تدهور الوضع القانوني، أو من العواقب النفسية. عندما يخرج صوت مثل صوت الغماري، فإنه يكسر حاجز الصمت، ويتيح النقاش العام حول ممارسات قد تتعلّق بالمستشفيات، الجامعات، والقطاعات الطبية.
توصيات لحماية أفضل للمهاجرين
إنشاء آليات مستقلة للشكاوى داخل الجامعات والمستشفيات تكون سهلة الوصول لها وذات مصداقية.
متابعة الحالات القانونية من قبل محامين مختصين وقوانين تُسهّل دعم حقوق اللاجئين والمهاجرين.
تعزيز التوعية بين المهاجرين بحقوقهم النفسية والصحية والثقافية.
الإعلام أن يتحلى بالمسؤولية، والأمانة، مع حماية الخصوصيات وعدم نشر معلومات حساسة دون موافقة.
ما يتعرض له المهاجرون في فرنسا من مضايقات لا تُعَدّ استثناءً بل تتكرر بأشكال متعددة: تمييز شكلي ومؤسساتي، اعتداء على الهوية، معاناة نفسية. وحالة ياسين الغماري هي مثال حيّ يُظهر أن المواطنة القانونية لا تعني نهاية المعاناة، وأن حماية الحقوق الإنسانية تتطلب يقظة وتشريعات ملموسة وتطبيقها العادل.
عندما يُنطق شخص مثل الغماري، فإن صوته يرتبط بصوت كل مهاجر يُخشى أن يُنسى، ويشدنا جميعًا إلى أن نطالب بعدم تسويف العدالة أو التسامح مع الممارسات التي تقلّل من كرامة الإنسان.