أراء وكتاب

مطالبكم مشروعة لكن أمن واستقرار البلد خط أحمر

لحسن الجيت

لا أحد من المغاربة يجادل في مشروعية المطالب التي أطل علينا بها شباب في حركات احتجاجية أقل ما يقال عنها بأنها حضارية تعبر عن وعي لم يكن واردا في الحسبانلسان حالهم هو لسان جميع المغاربة يعكس حالة من التذمر حيال ما آلت إليه الأوضاع في بلادنا بسبب تعدد مظاهر الفساد الذي استشرى في العديد من القطاعات الحيوية ذات الصلة بالمعيش اليومي أو تلك التي يبنى عليها مستقبل البلاد من تعليم وصحة وعدالة

هؤلاء الشباب خرجوا إلى الشوارع بكل وطنية صادقة لا يحملون بتاتا نوايا مؤدلجة همهم في ذلك إيصال صوتهم بشكل مباشر لكل مسؤول على صعيد الإدارة المركزية ولكل مسؤول في مختلف الإدارات المحلية مهما كان موقعه ووزنهتحملوا هذه المسؤولية بالخروج إلى الشوارع لأن ثقتهم انعدمت  في أصحاب الدكاكين السياسية من أحزاب ونقابات الذين باتوا يؤثثون مجالس الجماعات المحلية ويستأثرون بها خدمة لمصالحهم الشخصية

واقع مرير لم يعد بالإمكان تحملهأحزاب سياسية منشغلة في التنابز فيما بينها للي الأذرع عبر صراع محموم على المناصب في الحكومة والبرلمان والجماعات المحليةليس لهم أية أجندة وطنية، وبرامجهم  لا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بهموم المواطن البسيطبل من بين بعض هذه الأحزاب من تفرغ فقط لخدمة قضايا أخرى خارج الوطن على حساب القضايا الوطنيةولنعل حزب العدالة والتنمية خير ما يمكن أن نستشهد بها في هذا الباب الذي جعل من القضية الفلسطينية نقطة ارتكاز على مدى سنتين في حملة مكشوفة ضد الدولة المغربيةوكأن هذا الحزب ليس مغربيا ولا تربطه أية صلة بالمغاربة وهمومهم

سلوكيات هذا الحزب وأحزاب أخرى ذات التوجه اليساري وعدم مبالاتها بكل ما هو وطني هو الذي حمل هذا الجيل إلى الخروج إلى التظاهر بعد قناعته بأن تلك الأحزاب لا تمثله وليست مؤهلة على الإطلاق للتحدث باسمه وباسم الشعب المغربي  هذه الأحزاب يفترض فيها أن تلعب دور المعارضة بتوفرها على برامج بديلة للسياسات الحكومية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، لكن كما يبدو أن الخطاب الذي تعتمده تلك الأحزاب يبنى على تبادل السب والشتم والتشهير والتشويهمشهد سياسي يعكس مدى حقارة ودناءة الذين يفترض فيهم أن يكونوا فاعلين سياسيين

ولذلك، فإن الإصلاح لا يكمن في استبدال المواقع وتغيير الوجوه بل في تغيير العقليات فلو أتيت برئيس وزراء من السويد فإنه لن يغير من الواقع في شيء، بل انتظر منه في أقل من شهر أن  يحمل حقيبته وأن يفلت بجلده في أية لحظة وحينوما يجب أن يعلمه شبابنا الذي تحركه مشاعر الغيرة على وطنه أن الإصلاح المنشود الذي ينتظره جميع المغاربة لا يمكن أن يتحقق بعصا سحريةويخطئ كثيرا من يعول على ذلك

ولذلك، لابد أن نؤكد لشبابنا الذي هم أبناء هذا الوطن أنه من باب الوطنية التي يتحلون بها يجب أن يستحضروا ضرورة التمييز بين ما هو ملح ومستعجل وبين ما هو قابل للانتظار ويستدعي وقتا وصبرا شرط أن تكون هناك إرادة سياسية صادقة بعيدا كل البعد عن أية عملية التفاف على الظرفية وعلى الأجواء المشحونة

إن هذه الحركات الاحتجاجية وهي تحدث اليوم على بعد عام من الاستحقاقات الانتخابية المقبلة لابد أن نتعلم منها، وما ينبغي أن نتعلمه وهو أن هؤلاء الشباب حملوا إلينا رسالة قوية مفادها أين هو موقعهم في المشهد السياسي المغربي؟ سؤال جوهري لابد من أن نجيب عليه في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة

ردا على ذلك، أولايجب علينا اليوم قبل الغد إصدار قوانين تفتح المجال أمام هذا الشباب للمشاركة السياسية وتحمل المسؤولية بدلا منالشرافعلى حد تعبير أحد المتظاهرينولذلك ينبغي سن قوانين جديدة في الدورة البرلمانية القادمة التي يجب أن تقنن أعمار المرشحين للانتخابات بشكل يعيد تشبيب وزرع دماء جديدة في الحياة السياسيةفشبابنا قد أبانوا عن وعي كبير وغيرة وطنية ترشحهم بامتياز لإدارة الشأن العامالجميع سئم من رؤية ذات الوجوه التي اعتقلت السلطة على مدى عقود من الهدرولي اليقين أن ترشيح نشطاء من هذا الجيل في الانتخابات التشريعية أو البلدية سيكون فوزهم بمثابةتسوناميوبالتالي سيغسل ويطهر كل المشهد السياسي المليء بالموبقات وبالنفاق وبالضحك على الذقون

ثانيا ـ يجب إدخال تعديلات على القوانين وخاصة تفعيل المساطر القضائية بخصوص مثابعة حقيقية للمفسدين وملاحقتهم بلا هوادة أمام المحاكم المختصةوهنا لابد من التذكير بأن المجلس الأعلى للحسابات يجب تحويله إلى مؤسسة فاعلة وليس كمؤسسة يؤخذ فقط من باب العلم بتقاريرها من دون ترجمة ذلك من قبل المحاكم إلى إصدار أحكام تتضمن عقوبات جزرية ورادعة ليكون من أنزل بهم العقاب عبرة لكل جالس على كرسي المسؤولية

ثالثا ـ تعزيز المراقبة على المجالس البلدية والقروية التي يفترض فيها أن تكون أساس التنمية الجهويةغير أن واقع هذه المجالس، بعذ إلغاء آلية المراقبة الذاتية والمعروفة بالحساب الإداري، أصبحت هذه المجالس عبئا ثقيلا ومرهقا لهدر المال العام، حيث لا حسيب ولا رقيب على الصفقات العمومية التي تهدر فيها أموال طائلة وتذهب إلى الجيوب بدلا من استخدامها لغايات المنفعة العامةوبعد أن سقطت الرقابة على رئيس الجماعة من طرف شركائه في المجلس فإذا به يتحول إلى الآمر والناهي بحيث لا يحق لأعضاء المجلس مساءلته عن مداخيل ونفقات الميزانية إلا بما أراد هو أو بما جادت به قريحته تجاه من يسايره في أهوائه

رابعاإصلاح الإعلام الوطني كالتخلي عن البرامج التي تغزو  القنوات التلفزية منها المسلسلات التي تشد معظم نساء المغرب وعموم المغاربة إلى التفاهة مما يؤثر سلبا على العقليات وعلى تربية الأبناء ، والاستعاضة عن ذلك ببرامج ثقافية وتربوية تفضي إلى تقوية المشاعر الوطنية والإخلاص لهذا الوطنإننا نعاني من هجمة إعلامية شرسة من الخارج، لذلك لابد من تحصين المواطن المغربي ببرامج ذات الدفع الرباعي للتصدي لكل ما يمكن أن يكرس فينا الاستيلاب الفكري ويشوه وعينا الوطنيهذا النوع من الإصلاح ضروري وهام بالنسبة للإصلاحات التي نراهن عليها في المديين المتوسط والبعيد لأن خلق مواطن صالح سيقضي لا محالة إلى إصلاح كل المنظومات التعليمية والقضائية مع مرور الوقت

خامسا ـ التوقف عن تقديم الدعم للأحزاب السياسية لأن ما يعطى لها فهو من باب الريع من دون مقابلأحزاب تخلت عن القيام بواجباتها الوطنية وأولها عدم القيام بالمهمة المنوطة إليها وهي تأطير الشباب، بل أكثر من ذلك من بين تلك الأحزاب  ما يحرض على الوطن ويريد زرع الفتنة بداخل المغربفأنا لا أفهم أن يخرج قيادي لحزب ما يوم عيد العمال ويذكر بشعارات لأنصار الرجاء والوداد البيضاويين بل يرددها على لسانه بكل وقاحة من منصة اعتلاها في دعوة تحريضية مشبوهة ضد الدولةفكيف يمكن أن يحظى مثل هؤلاء بدعم من مال الشعبوبعد أن فعل فعلته المشينة يدعو اليوم هؤلاء الشباب بالكف عن هذه الحركات الاحتجاجيةإنهم لا يثقون فيه ولا في غيره فلا يجمعهم به خطاب مشترك ، ولغتهم تختلف عن لغته، مشاربهم لا علاقة بفكر بائد وجيلهم ليس بجيله إنه لطالما اعتبر القضية الفلسطينية هاجس المغاربة واليوم أثبت له هؤلاء الشباب بالدليل القاطع أن قناعة المغاربة هيتازة قبل غزةوليست تلك الكوفبة التي حملها أمثاله على أعناقهم إلى أن تداعت واعتراها الرث

إننا ونحن نشير إلى بعض ما ينبغي اتخاذه من إجراءات أو قرارات على سبيل الاستعجال، فإننا بذلك نريد أن نتقاسم بعض القراءات مع هؤلاء الشباب التي يمكن البناء عليها في حوار لازم وضروري مع المؤسسات الحكومية نأمل أن يكون شبابنا مستعدين له في كل لحظة وحين حتى لا تأتي تطورات غير مرغوب فيها قد تتجاوز قدرات هؤلاء الشبابونؤكد في هذا الصدد أن الرسائل قد وصلت إلى من يعنيهم الأمر كما أكدت ذلك الحكومة بأن أبوابها أصبحت مشرعة في وجههمالفرصة مواتية لحوار مفتوح ومن داخل هذه الآلية ستقطعون أيها الشباب الطريق عن كل من يريد أن يستغل خرجتكم لينحو بكم أو من خلالكم إلى مربعات بالغة الخطورة على أمن واستقرار البلادوهؤلاء المتربصون هم كثر من الداخل والخارجأغلقوا الأبواب في وجوههم فإنكم من ذوي النيات الحسنة وهم من ذوي النيات الشريرةفلا أحد منكم قد يجرأ على مهاجمة مراكز للدرك الملكي لأن ذلك لا يدخل في قاموسكم ولا يشكل هدفا لكم، على خلاف غيركم الذين يريدون أن ينفذوا إلى الأسلحة في عتمة الليل وأقل ما يقال عنهم أنهم إرهابيينخذوا حذركم يا شباب ولا تكونوا حطبا لنارهموتوقفوا عن الخروج إلى الشوارع لأن الاستمرار في ذلك سيكون مضرا لكم كما هو مضر بالمصالح العليا ذات الطابع الاستراتيجي لبلادنا وفي هذا التوقيت بالذات الذي يريد النظام الجزائري استغلاله ضدناالشعارات التي رفعت ضد الإنجازات التي حققها المغرب على المستوى الرياضي والتي أعطته إشعاعا عالميا تعبر بكل جلاء عن امتعاض النظام الجزائري من ذلك الإشعاع، وعينه اليوم على الحدثين الرياضيين كأس إفريقيا وكأس العالم لإفشال تنظيمهما في المغربواعلموا أيها الشباب أن الفضل في تلك الإنجازات يعود إلى شبان من أعماركم، فكونوا خير سند لهم وكونون كذلك حجرة عثرة لأولئك الحاقدين

وخير ما تدعون إليه اليوم قد سبقكم فيه جلالة الملك ونبه من خطورته في عدة خطب سامية وألقى باللائمة على المسؤولين في كل مواقعهم منذ الأحداث التي شهدتها مدينة الحسيمةفموعدنا مع خطاب ملكي سيشفي الغليل

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا