
منذ الانسحاب الأميركي المربك من أفغانستان سنة 2021، والذي وُصف بأنه من أكثر الانسحابات إذلالاً في التاريخ العسكري الأميركي، لم يغب اسم كابول وقاعدة باجرام عن الساحة الدولية. ورغم أن اتفاق الانسحاب كان قد وُقّع في عهد الرئيس دونالد ترامب سنة 2019، فإن الرئيس جو بايدن هو من تحمّل تبعاته، حيث ظهر الجيش الأميركي بمظهر المرتبك والعاجز، على عكس الصورة التي يسعى لتصديرها كـ “أقوى جيش في العالم”.
اليوم تعود أفغانستان إلى دائرة الضوء لسببين رئيسيين:
أولاً، توقيعها مجموعة اتفاقيات مع الصين للانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق”. وثانياً، النزاع المتجدد حول قاعدة باجرام الجوية، التي تبعد 40 كيلومتراً عن العاصمة كابول، والتي تركها الأميركيون بما فيها من عتاد وطائرات. واللافت أن هذه القاعدة تقع على مقربة لا تتجاوز 60 كيلومتراً من المفاعلات النووية الصينية، وهو ما يفسّر إصرار واشنطن على استعادتها تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”، بينما الهدف الحقيقي هو تطويق بكين في عقر دارها. غير أن حركة طالبان ردت على الطلب الأميركي بصرامة، لتؤكد أن عودة واشنطن إلى أفغانستان ليست واردة.
في المقابل، كشفت تقارير عن مفاوضات إسرائيلية – سورية غير معلنة، يُقال إن دمشق قدّمت فيها تنازلات خطيرة، وصلت إلى حدّ الموافقة على نزع السلاح، مع بقاء الجيش الإسرائيلي مسيطراً على الأرض. وتزامن ذلك مع محاولات بنيامين نتنياهو تحميل القاهرة مسؤولية مزاعم خرق اتفاقية السلام بسبب التوسع العسكري المصري في سيناء. غير أن القاهرة ردّت بلهجة حاسمة، مؤكدة أن ما تقوم به داخل أراضيها شأن سيادي، وأن أي مساس بالحدود المصرية لن يقابل إلا بالحسم.
أما على الضفة الأخرى من العالم، فقد فجّر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قنبلة سياسية بإعلانه الرسمي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما سار على نهجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إضافة إلى كندا وأستراليا وعدد من الدول الكبرى. هذا التحوّل لا يعكس صحوة مفاجئة للضمير الغربي، بل يشير إلى تغيّر موازين القوى الدولية، وانهيار الهيمنة الأميركية بعد أن خسرت واشنطن حلفاءها الأوروبيين بسبب سياساتها الأحادية وفرضها تعريفات جمركية أضعفت اقتصاد أوروبا.
وبذلك، يمكن القول إن اعتراف بريطانيا وفرنسا بالدولة الفلسطينية ليس مجرد خطوة دبلوماسية، بل إعلان واضح بانتهاء النظام العالمي أحادي القطب الذي تقوده أميركا، وبداية عهد متعدد الأقطاب تُشارك فيه قوى إقليمية مثل مصر والسعودية، إلى جانب الصين وروسيا.
وفي هذا السياق، تبدو واشنطن في حالة ارتباك شديد، إذ أعلن ترامب عن قمة أميركية – عربية طارئة مع مصر والسعودية والإمارات والأردن، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفوذ بلاده، بينما يظهر المشهد الدولي وكأنه يتّجه بسرعة نحو إعادة رسم خرائط النفوذ بقيادة جديدة أكثر توازناً.