
في مدينة بن حمد الصغيرة، حيث يعرف الناس بالطيبوبة والسلام ، كان هناك رجل غريب، الكل يعرف قصته. رجل مضطرب، مريض نفسيًّا بشهادة كل من يسكن جواره، رجل بلغ عنه الجيران أكثر من خمسين مرة، يطرقون أبواب السلطة وهم يرتجفون من القادم، يطلبون الحماية لأنفسهم ولأبنائهم. لكن في كل مرة، يعود الرجل إلى شارعه، إلى حيّه، إلى ضحيّته القادمة.
لم تكن شكاوى الساكنة صيحات ذعرٍ بلا معنى، بل كانت أجراس إنذار تُقرَع مبكرًا. كانوا يقولون: “أنقذونا قبل أن يقع المحظور!” لكن لا أحد سمع… أو ربما، لا أحد أراد أن يسمع.
وفي ليلة لم تكن ككل الليالي، حدث ما كان يخشاه الجميع. جريمة بشعة، أرواح أزهقت بدمٍ بارد. لم يكن المشهد من رواية خيالٍ سوداوي، بل من واقع يصرخ أن الإهمال قاتل.
لكن، من هو القاتل الحقيقي؟
هل هو ذلك المريض الذي خانته نفسه، وانهارت فيه جدران العقل؟ أم أن القاتل الحقيقي هو من تركه حراً طليقاً، يتجول بين الناس كقنبلة موقوتة؟ من هو المسؤول حين يعلم الجميع أن الرجل مريض، والجيران يشهدون، لكن الدولة تتجاهل، والمؤسسات تغلق أعينها، حتى يُزهَق الدم؟
في بن حمد، لم تُزهَق ثلاث أرواح فقط، بل زُهقت معها ثقة الشعب، وانهارت جدران الأمان في حيٍّ كان لا يريد سوى أن ينام بسلام.
العدالة اليوم، ليست أن يُحاسب القاتل فحسب، بل أن يُحاسب من أغمض عينيه عن الحقيقة، من جعل من الإهمال شريكًا في الجريمة.