ثقافة وفن

نبوءات تتقاطع.. ما بين العجل الأحمر ونهاية الزمان

تتشابك خيوط العالم في عام 2025 كما لو كانت حبكة كونية دقيقة النسيج، خُطط لها منذ زمن بعيد. يتراءى للمتأمل أن ما يجري حولنا من اضطرابات، وحروب، وانهيارات، ليس صدفةً ولا عبثًا، بل فصل من رواية طويلة كتبها التاريخ بأقلام أنبياء العهد القديم، ورسم ملامحها العارفون بخفايا المستقبل، من نوستراداموس إلى ليلى عبد اللطيف، حتى انعكست ظلالها في الأحاديث النبوية التي بشّرت بعصرٍ يعصف فيه الزمن بالبشر كما تعصف الريح بالغصون اليابسة.

تقول ليلى عبد اللطيف في توقعاتها الأخيرة إن العالم على أبواب تحولات عاصفة: صراع بين إسرائيل وإيران يتجاوز الحدود، اغتيالات تهزّ عواصم كبرى، زلازل وأعاصير تقتلع مدنًا من جذورها، ووباء جديد قد يظهر في غفلة من العالم، يختبر صبر البشرية من جديد. تحذّر من دولٍ تُغيّر مواقفها السياسية كما تتبدّل الفصول، ومن عملات تنهار، وأنظمة ترتجف تحت وطأة الغضب الشعبي. وبينما يظنّ الناس أنهم يعيشون يومهم، يرى البعض أن ما يحدث يُدار من وراء الستار، وأن “مصطفى” – الاسم الذي يتردّد في همس الغرف المغلقة – ليس سوى رمز لقوة تعمل في الخفاء، تُحرّك الخيوط وفق خطةٍ أقدم من الحاضر بكثير.

وفي موازاة ذلك، تهتزّ الأسواق المالية كما لو أصابها زلزالٌ غير مرئي؛ عملاتٌ كبرى تفقد قيمتها بين عشية وضحاها، وبورصاتٌ تتهاوى أمام شاشاتٍ تغصّ بالأرقام الحمراء. تتبدّل موازين الاقتصاد العالمي كما لو أن يدًا خفيةً تعيد توزيع الثروة على طريقتها، تُسقط دولًا وتُنهض أخرى، وتجعل الذهب ملاذًا بعد أن كان رمزًا للتاريخ. في هذا الفوضى الرقمية، ترتفع أسعار الطاقة والغذاء، وتختفي الثقة من المصارف، حتى يُخيّل للناس أن المال نفسه فقد روحه، وأن العالم يسير نحو نظامٍ نقدي جديد يولد من رماد القديم، أشبه بما تحدّثت عنه النبوءات حين قالت إن “الناس سيتعاملون بما لا يُرى ولا يُمسّ، وتُسلب القيم من النقود كما تُسلب الأرواح من الأجساد”.

في المقابل، تُذكّرنا الأحاديث النبوية بما يشبه هذه المرحلة: فتنٌ تموج كموج البحر، وكثرة القتل، وقلّة الأمانة، وزلازل تضرب الأرض، وأوبئة تخرج من حيث لا يُحتسب. وكأن نبوءات القرن الأول الهجري تُعيد قراءتها اليوم بأدوات القرن الحادي والعشرين. ومن بين تلك العلامات ما يشبه الأسطورة: “العجل الأحمر” الذي تنتظره بعض العقائد ليُعيد طقوسًا قديمة ويُمهّد لحدث جلل في المشرق.

وفي السنوات الأخيرة، تحوّل هذا الرمز إلى واقعٍ يثير الجدل؛ إذ استقدمت إسرائيل خمس عجلات حمراء من مزارع في ولاية تكساس الأمريكية في سبتمبر 2022، نُقلت إلى مطار بن غوريون ثم إلى مزارع خاصة قرب بيسان وشيلو بالضفة، تحت إشراف جماعات دينية مثل معهد الهيكل وبوني إسرائيل. ووفقًا للشريعة اليهودية، ينبغي أن تكون العجلة خالية تمامًا من أي شعرتين غير حمراوين، ولم يركبها أحد أو يُستعملها في عمل، لتكون صالحة للذبح في طقوسٍ يُعتقد أنها تمهّد لعودة “الطهارة” وإعادة بناء الهيكل. ومنذ وصول تلك العجلات، راح بعض المفسرين يربط الحدث بالنبوءات القديمة عن اقتراب “العلامة الكبرى” ونهاية الدهر، معتبرين أن ظهور العجلة الحمراء الخالية من العيب هو إنذارٌ بأن دورة التاريخ بلغت نهايتها.

في العهد القديم، حين صنع بنو إسرائيل عجلهم الذهبي في غياب موسى، لم يكن ذلك العجل مجرد تمثال، بل رمزًا لانحراف الإنسان حين يستبدل الخالق بالمخلوق، والحق بالذهب. واليوم، في عالمٍ يحكمه رأس المال والذكاء الاصطناعي، يعبد الناس عجولهم الرقمية والمالية، ويتقربون إلى خوارزمياتٍ صنعتها أيديهم، كما تقرّبت الأمم القديمة إلى تماثيلها. وكأن التاريخ لا يكرر نفسه إلا في أثوابٍ جديدة.

أما نوستراداموس، فقد كتب في رباعياته عن حروبٍ كونية تبدأ من الشرق، ونيرانٍ تسقط من السماء، وقائدٍ “يُرى كمنقذ لكنه يحمل في يده نذير الهلاك”. وتأتي توقعات ليلى عبد اللطيف لتُكمل هذه السلسلة الغامضة: إذ تتحدث عن زلازل في بلادٍ لم تعرف الزلازل، وعن قائدٍ يظهر من العدم ليغيّر وجه المنطقة، وعن اضطرابات سياسية تشبه النبوءة أكثر مما تشبه الواقع. وبينما تتسارع الأحداث كأن الزمن انضغط في نفسه، يشعر الناس أن الساعة اقتربت، لا بمعناها الفلكي فحسب، بل بمعناها الوجودي.

العالم اليوم يعيش بين شطرين: واقع يلهث خلف تطوراتٍ مذهلة في التكنولوجيا والرقمنة والمراقبة، وغيبٍ تتقاطع فيه النبوءات، حيث يختلط المعلوم بالمكتوم. وبينما تنشغل الأمم بالصراع على الموارد والحدود، هناك من يعتقد أن الخطة الكبرى تسير بهدوء نحو نقطةٍ فاصلة: انهيارٍ عالمي يعقبه نظام جديد، قد يُسمّى “نظام العجل”، أو “نظام المخلّص”، أو أي اسم تختاره القوى التي تصنع الغد خلف الأبواب المغلقة.

وربما، في لحظةٍ من لحظات الوعي النادرة، يدرك الإنسان أن كل هذه التوقعات والرموز ليست دعوة إلى الخوف، بل إنذارٌ بالعودة إلى جوهر الإيمان. فالعجل الأحمر قد لا يكون بقرة تُذبح في معبدٍ، بل رمزًا لكل ما يُعبد من دون الله؛ والوباء ليس إلا مرآةً لعجز الإنسان أمام قوته المادية، والعالم الذي يظنه مخططًا بإحكام، ربما لا يُدار إلا بإرادةٍ واحدةٍ قاهرةٍ فوق كل إرادة.

إنها القصة التي تتكرر منذ الخلق: الإنسان يبتكر، يتكبّر، يفسد، ثم يُمهل. وحين تكتمل الدائرة، تأتي النهاية كما وعدت النبوءات — لا لتُفني العالم فحسب، بل لتعيده إلى أصله. تلك هي نبوءة العصور: أن تقوم الساعة لا لأن العالم انتهى، بل لأن الإنسان نسي من أين بدأ.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا