مجتمعمنوعات

المثلية بين منظور العلم والدين والتاريخ

ظلّت قضية المثلية الجنسية بين الرجل والرجل أو بين المرأة والمرأة موضوعاً مثيراً للجدل عبر العصور، يتقاطع فيه الطب مع الدين، والعلم مع التاريخ، والمجتمع مع الفرد. الأبحاث العلمية الحديثة تؤكد أنّ التوجّه الجنسي ليس مرضاً كما كان يُصنَّف في الماضي، بل هو نتاج معقّد لتداخل عوامل بيولوجية ونفسية وبيئية منذ مراحل مبكرة من الحياة. الدراسات الجينية الضخمة أوضحت أنّه لا وجود لجين محدّد مسؤول عن الميول المثلية، وإنما هناك مؤشرات متفرقة تفسّر جزءاً من التباين، مع أثر لبعض العوامل النمائية مثل ترتيب الإخوة الذكور أو التفاعلات الهرمونية في الرحم.

الطب الحديث أزال المثلية من لوائح الأمراض النفسية منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث أعلنت الجمعية الأمريكية للطب النفسي إلغاء تصنيفها كاضطراب سنة 1973، وتبعتها منظمة الصحة العالمية في تسعينيات القرن العشرين. الهيئات الطبية تؤكد اليوم أنّ ما يسمى بالعلاج التحويلي أو الإصلاحي لا يقوم على أساس علمي، بل يعرّض الأفراد لمخاطر نفسية كبيرة من اكتئاب وقلق وأفكار انتحارية. البديل الطبي والأخلاقي هو العلاج النفسي الداعم لمساعدة من يعيشون صراعاً بين ميولهم وقيمهم الدينية أو الاجتماعية، من دون السعي إلى تغيير الميول ذاتها.

أما من الناحية الدينية، فيبقى الموقف الإسلامي واضحاً في تحريم الفعل استناداً إلى النص القرآني الذي أورد قصة قوم لوط في أكثر من موضع، مع إجماع الفقهاء على تحريمه، وإن اختلفوا في توصيف العقوبة بين الحدّ والتعزير. الفقه التقليدي شدّد على صعوبة الإثبات ودرء الحدود بالشبهات، كما اعتبر السحاق بين النساء محرّماً لكنه يدخل غالباً في باب التعزير لغياب الإيلاج الموجب لحدّ الزنا. في المقابل، يفرّق عدد من العلماء المعاصرين بين الحكم الشرعي للفعل وكرامة الإنسان، فيرفضون العنف أو الاعتداء ويؤكدون أنّ إنفاذ العقوبات هو شأن القضاء والدولة لا الأفراد.

التاريخ بدوره يحمل أمثلة كثيرة على شدّة العقوبات في مجتمعات مختلفة، من قوانين أوروبا في العصور الحديثة المبكرة التي عاقبت اللواط بالإعدام، إلى محاكمة الكاتب الإنجليزي أوسكار وايلد في القرن التاسع عشر وسجنه بسبب ميوله، وصولاً إلى اضطهاد المثليين في ألمانيا النازية ووضعهم في معسكرات الاعتقال تحت وسم المثلث الوردي. وفي العالم الإسلامي، ظل التحريم الشرعي قائماً مع اختلاف التطبيق بحسب الأزمنة والسلطات، فيما قدّم الأدب العربي الكلاسيكي صوراً معقّدة للحب المماثل من دون أن يغيّر ذلك من الموقف الفقهي.

بين الموقف العلمي الذي ينفي صفة المرض، والموقف الديني الذي يحرّم الفعل، والتجارب التاريخية التي تراوحت بين التمثيل الأدبي والعقوبات الصارمة، تظل القضية ذات أبعاد مركّبة. غير أنّ القاسم المشترك في توصيات الخبراء والفقهاء المعتدلين على السواء هو صون كرامة الإنسان، ورفض الاعتداء عليه، والتعامل مع الظاهرة في إطار قانوني ومؤسساتي، بعيداً عن العنف الفردي أو التمييز الاجتماعي.

صندوق الحقائق

1973: الجمعية الأمريكية للطب النفسي أزالت المثلية من قائمة الاضطرابات العقلية.

1990: منظمة الصحة العالمية حذفتها من التصنيف الدولي للأمراض (ICD).

“العلاج التحويلي”: محظور من أغلب الهيئات الطبية العالمية بسبب أضراره النفسية.

القرآن الكريم: يورد قصة قوم لوط في سور الأعراف والشعراء والنمل كدليل على التحريم.

التاريخ الأوروبي: إنجلترا سنت “قانون البغري” عام 1533 يعاقب المثلية بالإعدام.

قضية أوسكار وايلد: حُكم عليه بالسجن عام 1895 بسبب ميوله المثلية.

ألمانيا النازية: اضطهاد آلاف المثليين ونقلهم إلى معسكرات الاعتقال.

الفقه الإسلامي: اللواط محرّم، والعقوبة تراوحت بين الحدّ والتعزير، بينما السحاق غالباً في باب التعزير.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا