
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المغرب، تتجه الدولة نحو ترسيخ مفهوم التضامن الوطني من خلال مبادرات مبتكرة تهدف إلى تحقيق التوازن بين دعم الأسر الأكثر هشاشة وتنفيذ مشاريع تنموية ضخمة استعدادًا لاستحقاقات كبرى على المستويين الإقليمي والدولي. في هذا السياق، يبرز برنامج الدعم الاجتماعي المباشر كإحدى المبادرات الرائدة، إلى جانب مقترحات جديدة تهدف إلى تعزيز العدالة الضريبية وتشجيع التكافل بين مختلف شرائح المجتمع.
*الدعم المباشر: من استهداف الأسر إلى تحقيق الأثر المنشود
عملت الدولة المغربية على إطلاق برنامج الدعم الاجتماعي المباشر الذي استهدف أكثر من 3.5 مليون أسرة حتى مارس 2024. وتخصص الحكومة لهذا البرنامج ميزانية سنوية قدرها 25 مليار درهم، مع توقع زيادتها إلى 29 مليار درهم بحلول عام 2026. تأتي هذه المبادرة لتعزيز الأمان الاجتماعي والحد من الفقر عبر تحويلات مالية مباشرة تُمكّن الأسر المستفيدة من تلبية احتياجاتها الأساسية.
*الاستعدادات لكأس إفريقيا للأمم وكأس العالم
بالتوازي مع الجهود الاجتماعية، يواصل المغرب استعداداته لاستضافة كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال. وتشمل هذه الاستعدادات مشاريع ضخمة، من بينها بناء ملعب حديث في بنسليمان بسعة 115,000 مقعد، بتكلفة تقدر بـ 5 مليارات درهم، على أن يتم الانتهاء منه بحلول عام 2027. كما تسعى المملكة للاستفادة من هذه التظاهرات لتعزيز البنية التحتية، حيث حصلت على قرض بقيمة 650 مليون يورو من البنك الإفريقي للتنمية لتحسين النقل والخدمات الأساسية المرتبطة بهذه الفعاليات.
*مقترح جديد: عدالة ضريبية بروح اجتماعية
في ظل هذه الديناميات، يبرز مقترح جديد يسعى إلى تحقيق العدالة الضريبية عبر فتح باب لتسوية وضعيات أصحاب الثروات المخزنة. يقترح هذا النموذج فرض نسبة 10% على الأموال المخزنة، تُقسم بين 5% لتسوية الضرائب المستحقة، و5% كزكاة تُوجه مباشرة لدعم الأسر المستفيدة من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر. هذا المقترح يعكس رؤية مبتكرة تقوم على الإيثار والتكافل، خاصة إذا تم تطبيقه خلال شهر رمضان المبارك، حيث تزداد معاني التضامن والعطاء بين مختلف فئات المجتمع.
*الفرصة الأخيرة: توجيه الأموال المكدسة نحو التنمية الوطنية
تشكل الأموال المكدسة لدى البعض فرصة حقيقية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب. فهذه الثروات، التي غالبًا ما تبقى خارج دائرة المحاسبة الضريبية، يمكن أن تتحول إلى رافعة قوية لدعم مشاريع التنمية الكبرى والمبادرات الاجتماعية إذا ما تم استثمارها بالشكل الصحيح. إن فتح باب لتسوية الوضعيات الضريبية لأرباب هذه الثروات عبر فرض نسبة معقولة، كـ10%، تُقسم بين 5% للضرائب و5% كزكاة تُوجه للأسر المحتاجة، لا يساهم فقط في تنمية موارد الدولة، بل يتيح لهؤلاء فرصة لتجنب المحاسبة مستقبلاً ويضعهم في إطار المساهمة في تحقيق نهضة وطنية شاملة. هذا الإجراء، إذا تم تبنيه، يعكس شراكة مجتمعية مبنية على الثقة والإيثار، ويعزز العدالة الضريبية بروح من التكافل والتضامن.
*تجربة فريدة في سياق عالمي
ما يميز هذا المقترح هو كونه تجربة فريدة على مستوى العالم، تجمع بين الجوانب الدينية والاجتماعية والاقتصادية. فمن جهة، يساهم في تعزيز الموارد المالية للدولة، مما يُمكنها من المضي قدمًا في مشاريعها التنموية الكبرى، ومن جهة أخرى، يعزز الروابط الاجتماعية من خلال توزيع الزكاة بشكل مباشر وعادل.
*التحديات والآفاق المستقبلية
لا تخلو هذه المقترحات من تحديات، إذ يتطلب نجاحها توفير بيئة قانونية وتنظيمية تدعم تحقيق العدالة الضريبية، بالإضافة إلى توعية أصحاب الثروات بأهمية المساهمة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. كما أن نجاح الدولة في تحقيق أهدافها الطموحة مرتبط بقدرتها على إدارة التوازن بين الإنفاق على المشاريع الكبرى، مثل تظاهرات كأس إفريقيا وكأس العالم، وبين تقديم الدعم للفئات الأكثر هشاشة.
نحو نموذج مغربي للتكافل والتنمية
يمثل هذا المسار فرصة ذهبية للمغرب لتقديم نموذج عالمي يجمع بين العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. فبتحقيق شراكة حقيقية بين الدولة والمواطنين، وبترسيخ قيم الإيثار والصبر، يمكن أن يصبح المغرب نموذجًا يُحتذى به في إدارة التحديات الاقتصادية والاجتماعية بروح متجددة تعكس تطلعات الجميع نحو مستقبل أكثر إشراقًا.