
فقدت الأوساط العلمية والدعوية في المغرب يوم الجمعة 14 مارس 2025 الفقيه والعلامة محمد الرزكي، عضو المجلس العلمي المحلي بسلا سابقًا، ومدير مدرسة الإمام نافع لتحفيظ القرآن الكريم.
اشتهر الفقيه الراحل بعلمه الغزير في العلوم الشرعية، خاصة الفقه المالكي، والتفسير، وعلوم الحديث. كان مرجعًا للعديد من طلاب العلم، حيث تتلمذ على يديه عدد من المشايخ والخطباء والدعاة، وتفرد بإسهاماته في الندوات العلمية والمجالس الفقهية. كان عارفًا بأصول الشرع الحنيف، وحرص على تأصيل الفكر الإسلامي في قلوب طلابه.
كما عُرف الفقيه محمد الرزكي بتواضعه الزائد، وورعه، وحسن خلقه، وكان يجسد في سلوكه العالم العامل الذي لا يقتصر على نقل العلم فحسب بل يعيشه سلوكًا وأخلاقًا. كان حاضرًا في الخطابة في مسجد القدس بحي السلام في سلا، حيث لم يكن يُعرف فقط بعلمه، بل بتوازنه في الخطاب الذي يجمع بين الوسطية والاعتدال، داعيًا إلى التمسك بالقيم الإسلامية مع الانفتاح على تحديات العصر.
لقد كان للفقيه محمد الرزكي مسيرة حافلة بالعطاء في مجالات التعليم والدعوة، حيث شغل عدة مناصب هامة طوال حياته. بدأ مسيرته بتدرجه في التعليم الابتدائي والثانوي ثم الجامعي، ما سمح له بتكوين قاعدة علمية قوية. كما اشتغل كإطار في وزارة التربية الوطنية حيث تولى تدبير شؤون التعليم الأصيل، واهتم بشكل خاص بتطوير البرامج التي تعنى بالعلوم الشرعية.
كان أيضًا مديرًا للشؤون الإسلامية في وزارة الأوقاف، حيث أسهم في تنظيم وتوجيه الأنشطة الدينية في المملكة، وكان له دور بارز في دعم الوعظ والإرشاد. كما كان مؤذنًا ومواعظًا في عدة مساجد، حيث تميزت دروسه بالعمق العلمي والروح الدينية المتوازنة التي تجمع بين التفسير الصحيح للقرآن الكريم والفقه المالكي.
كان أيضًا مديرًا لمدرسة الإمام نافع لتحفيظ القرآن الكريم، حيث عمل بكل جد واجتهاد على تخريج أفواج من الحفاظ الذين قاموا بتولي مهام الإمامة والخطابة في المساجد. وقد بلغ عدد كبير من هؤلاء الطلاب مستويات علمية عالية، حيث وصل بعضهم إلى التعليم الجامعي، ليتابعوا مسيرتهم في الدراسة الأكاديمية.
بفضل إسهاماته الجليلة، حظي الفقيه الرزكي بـوسام ملكي تقديرًا لجهوده في خدمة العلم والدعوة والإرشاد في المغرب.
إرث الفقيه محمد الرزكي وتوجيهاته
كان الفقيه محمد الرزكي، إلى جانب علمه الغزير، منارة هداية لشباب الأمة، حيث كان يشجع على البحث العلمي والتفكير المستنير، ويحث على التمسك بالقيم الإسلامية الأصيلة مع الانفتاح على المستجدات في الحياة اليومية. كان يرى أن العلم ليس مجرد تحصيل معرفي، بل هو وسيلة لرفع المجتمع وتطويره من خلال الإيمان والتطبيق العملي للمبادئ الدينية. عمل طوال حياته على نشر الروح الإسلامية المعتدلة، بعيدًا عن التطرف والتشدد، وبذلك ترك بصمة كبيرة في تكوين أجيال من الدعاة والمفكرين الذين سيواصلون مسيرته.
تشبث الفقيه محمد الرزكي بالمذهب المالكي والثوابت الوطنية
كان الفقيه محمد الرزكي مثالًا في التمسك بالمذهب المالكي، حيث شكلت تعاليم هذا المذهب نبراسًا له في حياته العلمية والدعوية. كان حريصًا على نشر الفقه المالكي في المجالس العلمية، ويسعى جاهدًا لتعليم طلابه أصوله وفروعه وفقًا لتعاليم السنة النبوية وأقوال علماء المذهب المالكي. كما كان يعتبره مصدرًا للثوابت الدينية التي تعزز من وحدة الأمة الإسلامية وتماسكها.
على الصعيد الوطني، كان الفقيه محمد الرزكي من أشد المدافعين عن الثوابت الوطنية، حيث حرص دائمًا على تعزيز الولاء للوطن والتمسك بالوحدة الوطنية. كان يؤمن بأن حماية الهوية المغربية والاستقلالية الوطنية ضرورة أساسية لكل مواطن مغربي.
وقد جسد الفقيه هذا التمسك بالوحدة الوطنية من خلال مشاركته في المسيرة الخضراء، التي كانت رمزًا للتمسك بسيادة المغرب على صحرائه. كما كان له دور بارز في تمثيل المغرب رسميًا في العديد من الدول الأوروبية والعربية، حيث شارك في دروس الوعظ، والندوات العلمية، واللقاءات الدعوية، وكان يمثل بلاده خير تمثيل من خلال كلماته المعتدلة ورسائله العميقة التي تعزز الروح الوطنية والإسلامية في الخارج.
كان الفقيه محمد الرزكي قدوة في الدعوة والوحدة، حيث حمل في قلبه هموم وطنه ودينه، وحقق رسالة قوية في الداخل والخارج، عززت مكانة المغرب في المحافل العلمية والدينية.
تفاني الفقيه محمد الرزكي في خدمة القرآن الكريم وتعليمه
كان الفقيه محمد الرزكي معروفًا بحبه الكبير لكتاب الله عز وجل، واهتمامه البالغ بتعليم القرآن الكريم. فقد كان يسعى دائمًا إلى تخريج جيل من حفاظ القرآن الذين يحملون رسالة العلم والدعوة. كان حريصًا على نشر ثقافة القراءة والتلاوة الصحيحة للقرآن، بالإضافة إلى التشجيع على التفسير والتمكين من فهم معانيه. كما كان يشرف على دورات لتدريب الأئمة والخطباء، ليضمن أن يكون للقرآن الكريم حضور قوي في خطبهم ودروسهم، مشيرًا إلى أهمية هذا الكتاب العظيم في حياة المسلم.
رحيل الفقيه محمد الرزكي يشكل خسارة كبيرة للأوساط العلمية والدعوية في المغرب، لكن سيرته العطرة وإرثه العلمي سيظل حاضرًا في ذاكرة الأجيال القادمة.