
في مشهد سياسي فارق، انتخب حزب العدالة والتنمية المغربي عبد الإله بنكيران أمينًا عامًا لولاية جديدة خلال المؤتمر الوطني التاسع المنعقد يوم 27 أبريل 2025 ببوزنيقة، في لحظة تعكس حجم الرهانات الثقيلة التي يواجهها الحزب منذ انتكاسته المدوية في انتخابات 2021. لم يكن هذا الفوز مجرد مسألة إجرائية داخلية، بل تعبيرًا صريحًا عن حاجة الحزب إلى قائد يمتلك الكاريزما والقدرة على مخاطبة القواعد الشعبية بلغة بسيطة لكنها عميقة في آن، رجل خبر صعود الحزب إلى قمة المشهد السياسي وعاش سقوطه المدوي، ويعرف طبيعة التحديات التي تنتظره.
بنكيران حصد 974 صوتًا من أصل 1402، وهو فارق مريح عكس إلى حد بعيد حجم الرهان الذي وضعه أعضاء الحزب عليه. ولكن الفوز لا يعني بالضرورة أن الطريق ستكون معبدة أمامه، فالمشهد المغربي الحالي أكثر تعقيدًا وتغيرًا مما كان عليه خلال سنوات صعوده. هناك تراجع عميق في الثقة بالمؤسسات السياسية، وحالة عزوف شعبي واسع، وشعور متزايد بالإحباط من الوعود السياسية التقليدية، مما يفرض على بنكيران أن يذهب إلى ما هو أبعد من إعادة تدوير خطاب الماضي.
المهمة التي تنتظر الأمين العام الجديد جسيمة: ترميم البيت الداخلي المنهك بالصراعات، وإعادة بناء قاعدة شعبية باتت مشوشة ومنقسمة، وصياغة رؤية سياسية جديدة تلامس هموم المواطنين بعيدًا عن الخطابات النمطية. التحدي الأخطر يتمثل في ضرورة تحوّل الحزب من مجرد تنظيم يبحث عن موطئ قدم انتخابي إلى قوة معارضة جادة تطرح بدائل حقيقية وقابلة للتنفيذ، خصوصًا في ظل تآكل مصداقية الحكومة الحالية وعجزها عن الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الخانقة.
عودة بنكيران تمنح العدالة والتنمية فرصة قد تكون الأخيرة لاستعادة وهجه السياسي، ولكنها أيضًا مغامرة محفوفة بالمخاطر. فالفشل في تجديد الخطاب أو التردد في تبني مواقف سياسية جريئة قد يؤدي إلى تعميق أزمة الحزب بدل تجاوزها. الرهان لم يعد على شخص بنكيران فقط، بل على قدرة الحزب بكامله على الانتقال من لحظة الانكسار إلى لحظة البناء الجديد، في ظل تحولات مجتمعية وسياسية عميقة.
بين يد بنكيران معركة ثقيلة ليست فقط مع الخصوم السياسيين بل مع الزمن السياسي نفسه. الزمن الذي لم يعد يعترف كثيرًا بالرموز القديمة إلا بقدر قدرتها على التجدد والتكيف مع منطق المرحلة. فهل يكون بنكيران، الذي قاد الحزب إلى ذروة المجد ذات يوم، قادرًا على قيادته نحو نهضة ثانية؟ أم أن رياح السياسة الجديدة ستكون أقوى من حسابات الزعيم العائد؟
في ظل متغيرات المشهد السياسي والاجتماعي المغربي، تبقى كل السيناريوهات ممكنة. قد ينجح بنكيران في إعادة الحزب إلى موقعه الطبيعي كقوة معارضة شرسة ومقنعة، وقد يتعثر تحت وطأة التحديات الجديدة واختلاف المزاج الشعبي. ما يبدو واضحًا أن العدالة والتنمية يدخل مرحلة جديدة، عنوانها الحقيقي: لا مجال للأخطاء، ولا فرصة ثانية بعد هذه العودة. وحدها الأسابيع والأشهر المقبلة ستكشف إن كان بنكيران لا يزال يملك مفاتيح التأثير، أم أن عجلة الزمن السياسي قد مضت دون رجعة.