
تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا واحدة من أعنف موجات التصعيد منذ اندلاع الأزمة السورية، بعد تفجّر اشتباكات دموية بين مجموعات درزية مسلّحة من جهة، وقوات الحكومة السورية مدعومة بقبائل بدوية موالية لها من جهة أخرى. وفي خضم هذا التوتر، أقدمت إسرائيل على شنّ سلسلة من الضربات الجوية داخل العمق السوري، مستهدفة العاصمة دمشق ومواقع أمنية حساسة، مؤكدة أن العملية جاءت لحماية الطائفة الدرزية التي تتعرض لما وصفته بـ”تهديد وجودي” من النظام السوري وحلفائه.
السويداء، التي لطالما وُصفت بأنها منطقة شبه محايدة طيلة سنوات الحرب، باتت اليوم مسرحًا لاقتتال داخلي دموي، خلّف حتى الآن ما لا يقل عن 248 قتيلاً، بالإضافة إلى مئات الجرحى والنازحين. الاشتباكات تفجّرت بعد تصاعد التوتر بين مجموعات درزية مناهضة للحكومة وقبائل بدوية موالية لها، وسط اتهامات متبادلة بمحاولات تهجير وتصفية عرقية، فيما فشلت عدة محاولات لفرض وقف إطلاق النار كان آخرها منتصف يوليو، حيث تجدّدت المواجهات بعد ساعات فقط من إعلان الهدنة.
في موازاة هذا الانفجار الداخلي، صعّدت إسرائيل تدخلها العسكري بشن ضربات جوية طالت منشآت تابعة لوزارة الدفاع السورية ومقار أمنية قرب القصر الرئاسي في دمشق، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من عناصر الأمن، وتدمير مرافق استراتيجية. وبررت إسرائيل هذا التصعيد بأنه يأتي في سياق التزامها الأخلاقي تجاه الطائفة الدرزية، لا سيما وأن مئات الآلاف من الدروز يعيشون داخل الأراضي المحتلة ويحملون الجنسية الإسرائيلية. وقد أثار هذا التبرير جدلاً داخلياً في إسرائيل، حيث طالب بعض القيادات الدرزية مثل الضابط السابق أمال أسعد بتحرك أكثر حدة لحماية دروز سوريا، في حين حذّر آخرون من زجّ الطائفة في صراعات إقليمية قد تأتي بنتائج عكسية.
الحكومة السورية بدورها اعتبرت القصف الإسرائيلي عدوانًا سافرًا وخرقًا لسيادتها، ووجّهت نداءً إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتدخل ووقف ما أسمته بـ”الابتزاز السياسي المغلف بالحماية الطائفية”، بينما اكتفت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بالدعوة إلى وقف فوري للعنف، دون إدانة واضحة للغارات الإسرائيلية. من جانبها، ندّدت روسيا وإيران بالهجمات، واتهمتا تل أبيب بالسعي إلى تأجيج الصراعات الطائفية داخل سوريا لتوسيع نفوذها العسكري والسياسي.
في ظل هذا التصعيد المزدوج، تزداد المخاوف من تحول السويداء إلى ساحة حرب مفتوحة، يغيب عنها أي أفق للتسوية، خاصة مع تداخل الأبعاد المحلية بالطائفية والإقليمية. وبينما يعيش دروز سوريا مأساة حقيقية بين نيران السلطة وخصومات الداخل وتدخلات الخارج، تبقى مخاطر الانفجار الشامل قائمة، في وقت يبدو فيه المجتمع الدولي عاجزًا عن احتواء الأزمة، أو ربما غير راغب في التدخل الجاد. ومع استمرار الغارات والاشتباكات، يبدو أن الصيف السوري يتجه نحو مزيد من الدم والرماد.