أراء وكتاب

من الحماسة إلى التحفظ: قراءة في التردد القضائي المغربي بخصوص التبليغ عبر “واتساب

بقلم: الأستاذ زكرياء الغلماني محامٍ بهيئة الرباط

أحدث الأخبار
مؤشرات الأسواق العالمية

في زمن تشهد فيه التكنولوجيا طفرة هائلة طالت مختلف مناحي الحياة، لم يعد من الغريب أن يتسلل تطبيق بسيط للمراسلات – مثل “واتساب” – إلى صميم العلاقات المهنية، بل وحتى القضائية. غير أن ما يدعو للتأمل حقاً هو الطريقة التي تفاعل بها الجسم القانوني المغربي مع إحدى القضايا الحديثة التي طرحت هذا الإشكال بحدة.

القضية موضوع النقاش تتعلق بإحدى الأجيرات التي تقدمت بشهادة طبية إلى مشغلتها عبر رسالة “واتساب”، قبل أن تجد نفسها في مواجهة قرار بالفصل بسبب “الغياب غير المبرر”. محكمة الدرجة الأولى اعتبرت، بكل جرأة، أن وسيلة التبليغ المعتمدة (واتساب) كافية لإثبات العذر المرضي، معتبرة أن التطبيق بات من الأدوات المتداولة في الحياة المهنية اليومية، ما شكل آنذاك اجتهادًا جريئًا واستثنائيًا تفاعل معه عدد من المشتغلين في الحقل القانوني بكثير من الإيجابية، بل ورأى فيه البعض خطوة نحو “قضاء رقمي مواكب للعصر”.

غير أن هذا الانفتاح لم يصمد طويلاً. فمع صدور قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في يونيو 2025، والذي ألغى الحكم الابتدائي، انقلب المشهد تماماً. تراجع الحماس، وبرز خطاب قانوني محافظ يشدد على أن “واتساب” ليس وسيلة تبليغ قانونية وفقًا للمقتضيات التنظيمية الجاري بها العمل، خصوصًا في المادة الشغلية حيث تحيط المشرع بالشكليات بحذر وصرامة. وباتت النغمة السائدة أن الاعتراف بمثل هذه الوسائل يشكل “مخاطرة” قد تمس بالأمن القانوني.

هذا التذبذب في الخطاب، بين التهليل المفرط لاجتهاد حديث والنقد القاسي له عند أول مراجعة استئنافية، يكشف عن هشاشة منهجية في تعاطينا مع المستجدات القانونية التي تفرضها التحولات الاجتماعية والتكنولوجية. كما يؤكد على غياب مرجعية موحدة في تأويل وسائل الإثبات المعاصرة، ويدعو، في نظري، إلى شيء من التريث المؤسسي إلى حين صدور قرار واضح ومعلل عن محكمة النقض باعتبارها الجهة العليا المؤهلة لتوحيد الاجتهاد القضائي.

لسنا ضد التجديد، ولسنا مع الجمود. نحن فقط في حاجة إلى مقاربة متوازنة، لا تتسرع في مصادرة الاجتهاد باسم التقليد، ولا تُقحم التكنولوجيا دون ضوابط باسم العصرنة.
بين “الواتساب” و”الإشعار بالبريد المضمون” مسافة قانونية لا بد من تنظيمها بنص واضح، يحسم الجدل، ويمنع التقدير المرتجل.

إلى حين ذلك، سيبقى هذا الملف نموذجًا دالًا على المخاض الذي يعيشه العقل القانوني المغربي في محاولته التوفيق بين إرث تقليدي راسخ، وتحولات تقنية تفرض إيقاعها بقوة الواقع.

اهم الاخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا