
غادر المغرب أخيراً المنطقة الرمادية ليُثبت للعالم أنه دولة قادرة على التغيير، وعلى مواكبة أرقى المعايير الدولية في الحوكمة ومحاربة الفساد المالي. هذا القرار التاريخي جاء تتويجاً لمسار إصلاحي شجاع، تميز بجرأة التشخيص وصرامة التنفيذ، ليُعلن المغرب عن نفسه من جديد كواحة استثمارية آمنة وقوة إقليمية تحترم القواعد العالمية في الشفافية المالية والنزاهة الاقتصادية.
فبعد أن أدرجت مجموعة العمل المالي الدولية “GAFI” المغرب في قائمة الدول الخاضعة للمراقبة المشددة سنة 2021، لم تتأخر المملكة في الرد على هذا التحدي الكبير. تحركت كل أجهزة الدولة بروح وطنية عالية، فكانت التشريعات تُعدل وتُحدث، والمؤسسات تُقوَّى وتُفعَّل، والقوانين تُطبق بصرامة لم تكن معهودة من قبل. ففي فترة وجيزة، صادق البرلمان المغربي على سلسلة من القوانين العصرية، التي جعلت من مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أولوية وطنية، وزادت من صلابة الإطار القانوني لحماية الاقتصاد من كل الممارسات المشبوهة.
لم تكتف المملكة بالتشريع، بل رفعت من جاهزية مؤسسات الرقابة، وعلى رأسها وحدة معالجة المعلومات المالية التي تحولت إلى ذراع فعالة في تتبع الأموال المشبوهة، كما تم إخضاع قطاعات كانت لعقود خارج دائرة الرقابة مثل القطاع العقاري والمهن الحرة لنظام صارم من التتبع المالي. وعلى الصعيد الدولي، فتح المغرب قنوات جديدة للتعاون وتبادل المعلومات مع الهيئات المالية الدولية، معززاً بذلك مصداقيته كشريك يُعتمد عليه في محاربة الجريمة المالية العابرة للحدود.
وجاء الإعلان الرسمي في الرابع والعشرين من فبراير 2023 حين أصدرت مجموعة العمل المالي قرارها التاريخي بشطب المغرب من القائمة الرمادية، بعد أن اقتنعت لجان التقييم الدولية بأن المملكة التزمت فعلياً، وليس شكلياً، بخطة العمل الإصلاحية. لم يكن الاعتراف شرفياً بل جاء بعد تقييم ميداني دقيق، حيث وقف خبراء دوليون على التحولات العميقة التي عرفها النظام المالي المغربي.
وكان عام 2025 بمثابة بداية الانطلاقة الجديدة للاقتصاد المغربي، حيث بدأت ثمار الإصلاحات تتجلى بوضوح في شكل تدفقات استثمارية متزايدة وثقة متجددة من كبريات الشركات العالمية التي عادت إلى السوق المغربي بإرادة قوية واستراتيجيات طويلة الأمد. ومع تعزز المناخ المالي وشفافية تدفقات الأموال، أعاد المغرب رسم صورته كبلد موثوق يزخر بالفرص ويحترم التزاماته الدولية، مما يبشر بمرحلة اقتصادية واعدة في السنوات القادمة.
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن يشهد المغرب خلال الأعوام القليلة المقبلة نمواً متسارعاً وتوازناً مالياً ملحوظاً بفضل هذه الإصلاحات، مما يُمهّد الطريق أمام اقتصاد معافى وقادر على مجابهة التحديات الدولية واحتضان استثمارات نوعية تخلق الثروة وتضمن فرص العمل. وتُجمع كل التقارير الدولية على أن هذه الخطوة ستفتح أبواباً واسعة أمام نهضة تنموية شاملة تعزز مكانة المغرب كقوة اقتصادية صاعدة في المنطقة.
خروج المغرب من المنطقة الرمادية ليس مجرد خبر عابر، بل هو إعلان صريح عن ولادة عهد جديد في تاريخ الاقتصاد المغربي، عنوانه الشفافية والنزاهة والصرامة في حماية المال العام. لقد أثبت المغرب أنه بلد الإصلاحات الهادئة، بلد لا يرضى أن يبقى أسير التصنيفات السلبية، وأنه حين يعزم على التغيير، يحقق الإنجازات بجدارة وبصمت الملوك.