وطنية

المغرب بين تحولات الداخل وضغوط الخارج في النصف الثاني من 2025: قراءة في المشهد السياسي والاقتصادي المعزز بالأرقام

أحدث الأخبار
مؤشرات الأسواق العالمية

في منتصف عام 2025، يعيش المغرب لحظة مفصلية تتقاطع فيها الإصلاحات الداخلية مع تحولات إقليمية ودولية تفرض إيقاعها على القرار السياسي، وتعيد تشكيل أدوار المملكة في محيطها. هذا التوازن بين الداخل والخارج يظهر بوضوح من خلال حزمة مؤشرات ترصدها تقارير عربية وغربية، تتناول التحديات الاقتصادية والسياسية والملف الحقوقي، إلى جانب الدور الاستراتيجي المتنامي للرباط في ملفات الأمن والهجرة والطاقة.

رغم الأزمات المتعاقبة في المنطقة، يُحسب للمغرب حفاظه على استقرار مؤسساته، رغم بعض الهزات الداخلية الخافتة. وفق تقارير نشرتها “لو موند” الفرنسية و”الشرق الأوسط” السعودية، يعيد المغرب منذ بداية 2025 مراجعة علاقة الدولة بمؤسسات الوساطة السياسية، لا سيما في ظل تراجع منسوب الثقة في بعض الأحزاب، وظهور دعوات لإصلاح شامل لمنظومة الانتخابات وتوزيع الصلاحيات داخل الحكومة. في هذا الإطار، برزت تصريحات برلمانية تدعو إلى “عقد سياسي جديد” يعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع، مع تعزيز دور البرلمان وتقوية استقلالية القضاء، تماشيًا مع توصيات تقارير دولية، منها تقرير “فريدوم هاوس” الذي صنف المغرب كدولة “حرة جزئيًا”، مشيرًا إلى ضرورة توسيع هامش الحريات الفردية.

على الصعيد الاقتصادي، سجل المغرب بداية تعافٍ ملحوظ في 2025، مدفوعًا بزيادة الاستثمارات الأوروبية والخليجية في قطاعات الطاقة الخضراء والتكنولوجيا. وصف تقرير “فايننشال تايمز” المغرب بـ”المركز القاري الجديد للطاقة النظيفة”، في إشارة إلى صفقات ضخمة مع ألمانيا وبريطانيا في مجال الهيدروجين الأخضر. ومع ذلك، تظل التحديات حاضرة، خصوصًا على مستوى البطالة وارتفاع كلفة المعيشة. وأشارت وكالة “رويترز” إلى أن الرباط تسعى لموازنة دعمها الاجتماعي مع متطلبات صندوق النقد الدولي، الذي وافق مؤخرًا على خط ائتماني مشروط بإصلاحات ضريبية وهيكلية عميقة.

شهد النصف الثاني من عام 2025 تطورات ملموسة تعزز هذا المشهد، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي في الربع الثالث حوالي 4.2%، مدعوماً بزيادة استثمارات القطاع الخاص بنسبة 15% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 20%، خصوصًا في مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات الحديثة. كما شهد معدل البطالة تراجعًا طفيفًا إلى 11.5% في نهاية يونيو، مع تحسن فرص العمل للشباب في المدن، في حين أظهرت استطلاعات رأي ارتفاع رضا المواطنين عن أداء الحكومة إلى 58%، مما يعكس ثقة متزايدة بالإصلاحات السياسية والإدارية. وتحديث تقرير “فريدوم هاوس” مؤشر الحريات المدنية بنسبة 3% منتصف 2025، مع إعلان خطط لتعزيز استقلالية القضاء وتوسيع حرية التعبير. أما دبلوماسيًا، فقد أبرمت الرباط في أغسطس 2025 ثلاث اتفاقيات ثنائية جديدة مع دول أوروبية، من بينها اتفاق مع ألمانيا بقيمة 1.2 مليار يورو لدعم مشاريع الطاقة الخضراء. وأظهرت بيانات الاتحاد الأوروبي انخفاضًا بنسبة 18% في تدفقات الهجرة غير النظامية عبر الحدود المغربية، نتيجة لتشديد الرقابة وتعزيز التعاون الأمني.

دبلوماسيًا، تواصل الرباط منذ 2020 تنفيذ سياسة خارجية هجومية تحت قيادة الملك محمد السادس، خصوصًا في ملف الصحراء المغربية، حيث حققت اعترافات متزايدة بسيادتها، كان آخرها في مايو 2025 من رومانيا وصربيا، إلى جانب تعزيز الدعم من الولايات المتحدة وإسبانيا. في المقابل، تتسم العلاقات مع الجزائر بمزيد من القطيعة، رغم الوساطات الخليجية الخجولة. وأشار تحليل نشرته صحيفة “إل بايس” الإسبانية إلى أن المغرب بات يفضل “الدبلوماسية الثنائية” بدل الانخراط في التكتلات المغاربية، معتبرًا أن الرباط ترى في المشروع المغاربي صيغة تجاوزها الزمن.

في ملف الهجرة والأمن، يزداد اعتماد أوروبا على المغرب كشريك أمني أساسي لضبط تدفقات الهجرة السرية. أكد تقرير داخلي للاتحاد الأوروبي نشره موقع “بوليتكو” أن المغرب أصبح أحد المحاور الأمنية المهمة في المتوسط، خصوصًا بعد اتفاق جديد مع الاتحاد في يونيو 2025 يشمل دعمًا ماليًا بقيمة 800 مليون يورو لتعزيز الرقابة الحدودية. لكن هذا الدور لم يمنع انتقادات حقوقية من منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” التي طالبت الرباط باحترام حقوق المهاجرين، لا سيما في المناطق الحدودية.

على صعيد التحول العسكري والأمني، يشهد القطاع المغربي تطورات لافتة، بعد توقيع اتفاقيات مع إسرائيل والولايات المتحدة لتحديث أنظمة الدفاع والرصد الإلكتروني. وأوردت “ديفينس نيوز” أن المغرب بات من الدول الإفريقية القليلة التي تستثمر بكثافة في تقنيات الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي الأمني، في ظل تنامي التهديدات الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء.

يعكس المشهد السياسي في المغرب لعام 2025 صورة بلد يوازن بين استحقاقات الداخل وضغوط الخارج، محافظًا على موقعه كفاعل إقليمي صاعد. وبينما يحقق تقدمًا مهمًا على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي، يبقى التحدي الأكبر هو تكييف هذا الزخم مع مطالب فئات واسعة من المجتمع في مجال العدالة الاجتماعية والسياسية.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا