أراء وكتاب

الاحتفال بالأعياد الوطنية في زمن الجراح الإنسانية بين الوفاء للوطن وصدق الانتماء للضمير الإنساني

بقلم: الأستاذ زكرياء الغلماني محامٍ بهيئة الرباط

أحدث الأخبار
مؤشرات الأسواق العالمية

تحلُّ على المغاربة هذه الأيام مجموعة من الأعياد الوطنية المجيدة، وفي طليعتها عيد العرش، الذي يمثل مناسبة سنوية لتجديد البيعة والولاء للعرش العلوي المجيد، وللاحتفاء بمسار التنمية والنهضة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

لقد ظل الشعب المغربي يحيي هذه المناسبات الوطنية عبر مختلف الأجيال، سواء في الحواضر أو القرى، احتفاءً وتعبيرًا عن اعتزازه بتاريخه ومؤسساته، في طقوس لا تخلو من معارض واحتفاليات وعروض فنية وثقافية ورياضية. وقد تعزز هذا الزخم بشكل أرقى خلال عهد جلالة الملك محمد السادس، حيث حافظ المغاربة على طابعهم التلقائي والواعي في الاحتفال، إدراكًا منهم لما تحمله هذه المناسبات من رمزية ودلالة.

غير أن هذا العام، كما العام الذي قبله، ومع استمرار المجازر التي ترتكبها آلة الحرب الصهيونية في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية، منذ انطلاق طوفان الأقصى، برزت دعوات تدعو إلى وقف مظاهر الاحتفال، وتنكيس الأعلام، والتعبير عن الحزن والحداد المطلق، بل بلغ ببعض الأصوات حدَّ تخوين كل من يختار الفرح بمناسبات وطنية، واتهامه بالتهاون أو التواطؤ أو اللا مبالاة.

وهنا لا بد من وقفة متأنية. فبين من يرى أن التضامن مع الشعب الفلسطيني يقتضي إلغاء مظاهر الفرح، ومن يؤمن أن التمسك بالاحتفال هو تجديد للولاء والدعاء للقيادة الرشيدة التي تضع القضية الفلسطينية في صلب أولوياتها، يجب أن نُذكّر بأن المغرب، ملكًا وشعبًا، لم يكن يومًا غافلًا عن آلام الأمة، بل كان سبّاقًا إلى الدعم الفعلي والملموس.

فجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، يحرص شخصيًا على تتبع المبادرات السياسية والإنسانية الداعمة للفلسطينيين، وتجسيدًا لذلك، تضطلع وكالة بيت مال القدس الشريف بدور فعال ومشهود، إلى جانب جمعيات نشيطة مثل جمعية إعمار الفلسطينية، التي يرأسها الدكتور البوزيدي، وهو عضو فاعل داخل المكتب التنفيذي لمنتدى كفاءات إقليم تاونات، والتي تبذل مجهودات مستمرة في دعم القضية من موقعها المدني.

إننا لا نختلف على أن الجراح الفلسطينية مؤلمة، وتستحق منّا كل التضامن، لكن تحويل المناسبة الوطنية إلى منصة للتخوين واتهام النيات لا يخدم فلسطين، بل يسهم في إضعاف الجبهة الداخلية، وتشتيت الرؤية، وإحباط الشعور الوطني الجامع.

إن من ينادون بالحداد الكامل، لا يقدّمون لفلسطين سوى الشعارات والمزايدات، في حين أن العمل الحقيقي، والاشتغال في الميدان، والانخراط في الدبلوماسية الموازية، والدعم الإنساني المباشر، هي الأفعال التي تثمر وتُبقي القضية حيّة في وجدان الأمة.

أما عيد العرش، فسيظل بالنسبة لي عيدًا وطنيًا مجيدًا، أخلده بكل فخر واعتزاز، لأنه عنوان لسيادة الدولة، واستمرارية مؤسساتها، ورمز لعهد يتجدد على قيم البناء والتضامن والكرامة.

ومن الوفاء للوطن ألا نسمح لمشاعر الحزن، مهما كانت مشروعة، أن تعمينا عن ثوابتنا، ولا أن تُفرغ هويتنا الوطنية من محتواها. فالوطنية الصادقة لا تتعارض مع التضامن الصادق، بل تتكامل معه.

اهم الاخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا