أراء وكتاباهم الاخبار tv

واجهة مرتبكة لبرنامج حواري و غياب الصورة الملكية ، إعلان بإفلاس الخطاب الحكومي

ذ/ الحسين بكار السباعي , محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان

حضور صورة الملك في كل الفضاءات الرسمية ليس مجرد تقليد بروتوكولي، بل هو تكريس لمكانة المؤسسة الملكية بإعتبارها الضامن الأسمى لوحدة الأمة، والفاعل الأول في توجيه السياسات الكبرى للبلاد. فالصور الملكية في المخيال السياسي والمؤسساتي للمغاربة ليست مجرد إطار بروتوكولي ، بل هي تعبير رمزي عميق عن جوهر النظام الملكي نفسه، إذ تختزل حضور الدستور في أسمى معانيه، وتجسد وحدة الأمة في بعدها التاريخي والروحي، وتشير على نحو دائم إلى المرجعية العليا التي تستمد منها الشرعية، والتي تهتدي بها الخيارات الوطنية وترسم على ضوئها السياسات الكبرى للدولة. ومن ثم، فإن الرمزية المرافقة للصور الرسمية لجلالة الملك في مختلف اللقاءات ليست تفصيلا ثانويا، وإنما علامة سيادية تؤكد أن الملكية في المغرب ليست مجرد مؤسسة سياسية، بل هي عماد الهوية الوطنية وضمانة الإستمرارية والإنسجام بين الدولة والمجتمع.

لا يمكن السماح بهفوة غياب صورة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، خلال حوار الأمس عبر قناتي الاعلام الرسمي الوطني مع رئيس الحكومة، على أنه مجرد سهو بروتوكولي عابر يمكن تجاوزه بتبريرات تقنية، فهل الأمر يحمل دلالة سياسية عميقة،تجعلنا أمام لحظة مشحونة بالتساؤلات؟
فحين يطل رئيس الحكومة عبر الإعلام الرسمي في حوار بدا أقرب إلى عرض مسرحي مُعلّب، خالٍ من حرارة التفاعل، ومفتقد لجرأة الطرح، فإنه لا يقدّم حصيلة حقيقية ولا يفتح باباً للنقاش العمومي، بل يمارس نوعاً من الهروب إلى الأمام. الحوار الصحفي الحقيقي يقوم على الأخذ والرد، على المواجهة بأسئلة الرأي العام المُلِحّة، وعلى كشف الحقائق بجرأة ووضوح. أما ما جرى، فلم يكن سوى محاولة لتلميع صورة مهترئة، أكثر منه سعياً للتواصل الصادق مع المواطنين؟!
كما أن اختيار رئيس الحكومة أن يحصر خطابه في دائرة الإعلام الرسمي،بقناتيه الأولى والثانية، دون قبول النقاش المفتوح مع المنابر المستقلة أو أمام البرلمان، يعكس عقلية سياسية ترى في الحوار الحر تهديدا، لا وسيلة لتعزيز الشرعية. وهذا ما يبرز مأزقا جوهريا ، أن الحكومة أصبحت عاجزة عن تقديم حصيلتها أمام عموم المواطنين بصدق، ومترددة في مواجهة النقد، ومتعطشة في المقابل لابتكار صيغ دعائية تحجب الواقع وتغطي على الإخفاقات.
بكل وضوح ودون مرموز، إنها “زلة البروتوكولية”، ليس فقط ما أبانت عنه من ضعف المشهد و الأداء، بل ما حملته من إيحاء رمزي مقلق، إذ بدا وكأن هناك محاولة ضمنية لإعادة رسم صورة رأس الدولة، عبر إظهار رئيس الحكومة في موقع الواجهة المركزية، بينما غابت خلفه الرمزية الملكية التي تشكل حجر الزاوية في النظام السياسي المغربي. مثل هذا السلوك لا يندرج فقط في خانة الخطأ التقني، بل يمس بترتيب الرموز السيادية الدستورية، ويفتح الباب أمام تأويلات سياسية لا تخدم لا الإستقرار المؤسسي ولا وضوح الرؤية أمام المواطنين.
لقد أثبتت التجربة السياسية المغربية أن الملكية كانت وما تزال الضامن الأعلى لإستمرارية الدولة، وصمام الأمان في مواجهة الأزمات، والفاعل الأول في توجيه الاختيارات الاستراتيجية الكبرى. وأي محاولة،ولو كانت غير مقصودة ، لتقزيم هذه المكانة أو لتصدير صورة بديلة، لا يمكن إلا أن تعمق أزمة الثقة في المؤسسات، وتزيد من عزلة الحكومة عن محيطها الاجتماعي والسياسي.

ختاما، إن الحصيلة الحكومية لا تقدم عبر كاميرات وحوارات باردة بعيدة عن تساؤلات المواطنين الحارقة ، بل عبر مساءلة حقيقية أمام البرلمان والرأي العام، في إحترام تام للتوازنات الدستورية، وتحت إشراف المرجعية الملكية التي تضبط بوصلة العمل الوطني. وكل خروج عن هذا المنطق، أو محاولة لخلق واجهة بديلة، لا يعدو أن يكون هروبا من مواجهة الواقع، وتكريسا لعجز حكومي غير مسبوق

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا