أخباردولية

فيتو أمريكي ضدا على مشروع وقف إطلاق النار في غزة: تحليل سياسي وإنساني

عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

في تطور جديد على الساحة الدولية، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حقّ النقض (الفيتو) مساء أمس في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة. القرار، الذي حظي بتأييد 14 من أبرز الدول الأعضاء، طالب بوقف فوري وشامل لإطلاق النار، وإطلاق سراح غير مشروط للمحتجزين، وسط تحذير من تصاعد الأزمة الإنسانية، وتفاقم خطر المجاعة، وتزايد المعاناة المدنية. لكن واشنطن اعترضت، معتبرة أن النص لا يعكس “الواقع على الأرض” ويقوّض من حقوق إسرائيل في الدفاع.

هذا التصويت ليس مجرد فعل دبلوماسي، بل هو انعكاس لعدة عوامل سياسية واستراتيجية تحمل دلالات عميقة على صعيد العالم، الشرق الأوسط، والموقف الدولي من الصراع الفلسطيني‑الإسرائيلي.

المشروع الذي قُدِّم إلى مجلس الأمن يتحدث عن توقف عاجل وشامل للنزاع، وفتح الممرّات الإنسانية، والإفراج عن المحتجزين. هذه المطالب هي في جوهرها مطالب أخلاقية وإنسانية لا تنكر ضرورتها أي جهة تميل إلى حماية المدنيين. ولكن الولايات المتحدة رفضت المشروع بذرائع من بينها عدم وضع كل الشروط التي تطالب بها إسرائيل، خاصة ما يتعلق بإدانة “حركة حماس” بشكلٍ صريح، وربط وقف القتال بإطلاق سراح الرهائن. لذا، فالمسألة ليست إنكارًا لمعاناة المدنيين، بل مقابلة لموازين قوة سياسية ودبلوماسية، حيث يختلف التأثير المباشر للنصوص القانونية مع المصالح والرؤية الاستراتيجية.

استخدام الفيتو يُعدّ من أبرز ميزات الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو في هذه الحالة وسيلة لحماية الطابع السياسي والأمني لإسرائيل في وجه قرارات تُرى أنها تساوي بين الطرفين أو تلزم إسرائيل بشروط تراها مذلة. كذلك، يعكس الفيتو رغبة أمريكية في التحكم في اللغة التي تواجه بها المؤسسات الدولية الأزمة، بحيث لا تُفرَض قرارات تُعتبر “منحازة” حسب وجهة نظرها.

من جهة أخرى، عبّرت الدول المؤيدة للقرار – ومن بينها الدول العربية وبعض الدول الأوروبية – عن قلق عميق من أن استمرار العمليات العسكرية يؤدي إلى كوارث إنسانية: نقص في الغذاء والدواء، ازدياد عدد المصابين والمدنيين، ونقص في الخدمات الأساسية. المجاعة لم تعد تهديدًا في المستقبل، بل واقعًا يواجهه كثير من سكان القطاع.

عزلة دبلوماسية محتملة: التصويت الأمريكي يُمكن أن يُعزّز من وجهة النظر التي ترى أن الولايات المتحدة تمارس حماية غير مشروطة لإسرائيل، الأمر الذي يفاقم من حجم النقد الدولي لها، خصوصًا من الدول التي صوتت لصالح القرار.

انعكاس على موقف المنظمات الدولية: مؤسسات حقوق الإنسان، الأمم المتحدة، المنظمات الإنسانية ستكون مضطرة للمزيد من الضغط والمناشدات لنشر إعلام مستقل، وتوثيق المآسي، مطالبة بالشفافية والمحاسبة.

تأثير على الحالة الفلسطينية والمفاوضات: الفيتو لا ينهي الأمل، لكنه يوحي بأن الطريق نحو وقف النار وحل سياسي لا يزال معقّدًا، حيث تبدو المفاوضات مرهونة بشروط متعددة وخلف كواليس دبلوماسية كثيفة.

وإيمانا بأن الكلمة تُوازِن بين القوة والضمير، أرى أن مسألة وقف إطلاق النار في غزة ليست موضوعًا بعيدًا، بل هي اختبار عالمي للضمير الإنساني وللعدالة. الشعب الفلسطيني ليس مجرد قضية جغرافية أو سياسية، بل إنسان يعيش وسط الألم والعوز، والقرار الدولي يجب أن يكون أكثر من صوت، يجب أن يكون فعلاً. الإعلام في المهجر، والمجتمعات العربية المقيمة في الخارج، تتابع هذه التطورات بكثير من القلق، وتنتظر مواقف فاعلة لا مجرد بيانات متكررة.

فيتوالولايات المتحدة لوقف مبادرات مجلس الأمن لا يعني بالضرورة فشل المبادرات، لكنه يؤكد أن الباحثين عن السلام سيواجهون مسارات طويلة ومعقدة، وأن الإنسان الأبري يظل في القلب من المعركة: معركة الحق في الحياة، الكرامة، والحرية.

لقد برز من هذا التصويت أن القرارات الإنسانية التي لا تأخذ في الحسبان واقعًا سياسياً قوياً، غالبًا ما تُسقط عند أول اختبار، إلا أن الإصرار على التمسك بالمبادئ الأخلاقية والإنسانية هو ما يحدد مَن يكون في صفّ الضمير العام.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا