
يتقدم “أسطول الصمود العالمي” في رحلة محفوفة بالمخاطر نحو غزة، في مسعى إنساني وسياسي لكسر الحصار البحري الإسرائيلي المفروض على القطاع. لكن المواجهة ليست فقط مع البحر والقيود الدولية — بل مع الضغوط السياسية، والخيارات الاستراتيجية، والدبلوماسية التي تحاول كبح المبادرة. في هذا السياق، يبدو الرفض الإيطالي لإنزال المساعدات في قبرص خطوة محورية تستحق التأمّل.
عندما رفض الوفد الإيطالي اقتراح بلاده بإيصال المساعدات إلى قبرص، فإن ذلك ليس مجرد مسألة لوجستية، بل هو تأكيد على التزام المبدأ: لا نريد حلولًا مؤقتة تحوّل الأسطول إلى مجرد ناقل مساعدات، بل نريد كسر الحصار فعليًا. هذا الموقف يضع المبادرة في خانة الجرأة السياسية، ليس فقط في المجال الإنساني بل كأفعال مقاومة، يرفض أن تخضع لتسويغات التراجع.
من جهة أخرى، المقترح الذي توجه به وزير الدفاع الإيطالي — تسليم المساعدات عبر قبرص أو البطريركية اللاتينية في القدس — قد يبدو كحل pragmatique لتأمين سلامة المشاركين، لكنه يخسر من الحدث الرمزي القوي الذي أراد الأسطول تجسيده: أن الطريق إلى غزة يجب أن يكون عبر المياه مباشرة، وليس من خلال محطات وسيطة.
إعلان إيطاليا عن إرسال سفينة ثانية لدعم الأسطول يُظهر أن القرار الرسمي لا يزال متقلبًا بين رغبة في دعم التضامن وبين التزام بالحذر الجغرافي والدبلوماسي. وزير الدفاع حذّر من المخاطر التي قد تواجه المواطنين الإيطاليين في المياه الدولية أو إذا دخلوا المياه الإقليمية لدول أخرى — تذكير بأن أي مبادرة إنسانية تحمل عنصر المخاطرة، ولا تُعفى الدولة من مسؤولية حماية مواطنيها.
هذا التردد الإيطالي، وإن بدا متسقًا مع الأولويات الوطنية، يُظهر كيف أن الدول الأوروبية تخشى أن يتحول الحدث الإنساني إلى صراع جيوسياسي مفتوح ضد إسرائيل. فالاختيار بين التضامن أو حفظ العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب ليس سهلاً.
مع إعلان إسبانيا إرسال سفينة مشابهة لدعم الأسطول، يدخل الصراع البحري مرحلة مفتوحة. فالمواجهة ليست فردية أو محلية، بل تحولت إلى حدث دولي يراقبه العالم. حركة السفن، تتبُّعها عبر “MarineTraffic”، وتصاعد المناوشات الجوية والتحركات البحرية كلها تعكس أن الأسطول لم يعد مجرد قافلة مساعدات، بل اختبارًا لحدود القانون البحري، وسيادة الدول، وحق الوصول إلى غزة.
وفي هذا التوازن، يبقى السؤال: هل الدول المشاركة ستتحمل تكلفة المواجهة؟ أم أن التباين في مواقفها (منها الموقف الإيطالي القلق) سيؤدي إلى شلّ المبادرة أو تحويلها إلى عملية رمزية تفقد معناها على الأرض؟
انحياز عسكري أو مساندة لوجستية أقوى: قد تنضم دول إضافية بأساطيل أو دعم فني لجعل الأسطول أكثر قدرة على الصمود والتقدم.
التحول إلى مفاوضات سياسية: قد يُستخدم الأسطول كأداة ضغط في مفاوضات دولية مع إسرائيل والدول الكبرى لفتح الممر البحري.
التواءات داخل الدول المشاركة: إذا ضاقت بعض الدول من الضغط أو المخاطر، قد تسحب دعمها، مما سيضع المبادرة في مفترق صعب.