أخباروطنية

تامسنا.. مدينة الأحلام التي تحولت إلى أشباح

حي التعاونيات بمدينة تامسنا يعيش اليوم وضعا صعبا يختزل في طياته الكثير من الأعطاب التي تعاني منها المدينة ككل. سكان هذا الحي، الذين استبشروا خيرا عند اقتنائهم لمساكنهم في إطار مشاريع عمرانية واعدة، يجدون أنفسهم اليوم محاصرين بأكوام الأزبال والنفايات المتراكمة، في غياب شبه تام للحاويات المخصصة لجمعها، وفي ظل عجز تام لشركة العمران التي اكتفت ببناء وحدات سكنية وترك السكان يواجهون مصيرهم أمام نقص حاد في المرافق العمومية والخدمات الأساسية. حتى المسجد الذي وُعد السكان بإنجازه بقي حبرا على ورق، ليتحول الحي إلى فضاء سكني يفتقر لأبسط مقومات الحياة اليومية. العزلة التي يعانيها الحي تزيد من معاناة السكان. فلا حافلات تصل إلى هناك، ولا سيارات أجرة صغيرة، فيما تبقى “التريبورتورات” وسيلة التنقل الوحيدة بين بعض أحياء تامسنا، لكنها هي الأخرى لا تصل إلى حي التعاونيات، وكأن هذا الحي يعيش خارج الخريطة. هذا الغياب لوسائل النقل يضاعف مشاق الحياة اليومية، خصوصا بالنسبة للتلاميذ والطلبة والنساء العاملات الذين يجدون صعوبة كبيرة في التنقل نحو أماكن الدراسة والعمل. لكن معاناة حي التعاونيات ليست إلا جزءا من مشهد أوسع يعكس الاختلالات البنيوية التي تغرق فيها تامسنا. فهذه المدينة، التي كان من المفترض أن تكون نموذجا عمرانيا حديثا، أصبحت اليوم تعج بمخلفات البناء المتراكمة في كل مكان، وبأوراش متوقفة منذ سنوات، من بينها المركز التكنولوجي التابع لجامعة محمد الخامس، إضافة إلى عشرات المشاريع السكنية التي توقفت الأشغال بها، تاركة وراءها بنايات مهجورة تشوه المنظر العام وتزرع الإحباط في نفوس الساكنة. المفارقة أن تامسنا، التي تُقدَّم كمدينة ملكية أريد لها أن تكون فضاء حضريا لائقا يليق بجوار العاصمة الرباط، وجدت نفسها تابعة لجماعة قروية هي سيدي يحيى زعير، وهو ما جعل تدبير شؤونها الحضرية محكوما بضعف الموارد والوسائل. فبدل أن تكون جماعة حضرية قوية بمؤسساتها ومرافقها، تعيش المدينة اليوم حالة من التهميش الإداري والسياسي، وهو ما انعكس بشكل مباشر على حياة السكان اليومية. دور شركة العمران، التي كان يُنتظر منها أن تكون قاطرة لهذا المشروع الحضري الكبير، يطرح أكثر من سؤال. فبعد تسويقها للمشاريع السكنية وتحصيل مداخيل ضخمة، انسحبت تدريجيا من التزاماتها التنموية، تاركة فراغا كبيرا في ما يتعلق بالبنية التحتية، المرافق العمومية، والنقل الحضري. وبات واضحا أن غياب رؤية مندمجة للتنمية الحضرية جعل المدينة في مهب الريح، بين تطلعات سكانها وإخفاقات المسؤولين عنها. وهكذا، تحولت تامسنا إلى مدينة نصف مكتملة، فقدت جزءا من رونقها بسبب غياب تدبير حضري فعال، وتراكم النفايات في شوارعها، وغياب سيارات الأجرة، وتوقف مشاريعها المهيكلة. مدينة ملكية أرادها جلالة الملك أن تكون نموذجا عمرانيا واجتماعيا، لكنها وبفعل تقاعس بعض المسؤولين وتداخل الاختصاصات بين شركة العمران والجماعة القروية، أصبحت في نظر ساكنتها “مدينة أشباح” تنتظر من يعيد إليها الحياة والرونق الذي وُعِدَت به في يوم من الأيام.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا