عربية وشرق اوسط

الانتخابات التشريعية في سوريا بين الواقع السياسي ورسائل السلطة

شهدت سوريا اليوم انتهاء عملية الانتخابات التشريعية في أغلب المحافظات السورية، باستثناء دمشق وحمص وحماة، حيث ما تزال صناديق الاقتراع مفتوحة أمام الناخبين في انتظار استكمال عملية التصويت، وفق ما أعلنه مراسل قناة سكاي نيوز عربية. وتأتي هذه الانتخابات وسط ظروف معقدة يعيشها الشعب السوري بعد أكثر من عقد من الصراع الذي غيّر وجه البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

تُعد هذه الانتخابات حدثاً سياسياً ذا رمزية خاصة بالنسبة للسلطة السورية، التي تسعى من خلالها إلى تأكيد استقرار الدولة ومؤسساتها رغم العقوبات الدولية والوضع الاقتصادي المتدهور. ويرى مراقبون أن النظام السوري يسعى من خلال تنظيم هذه الانتخابات في موعدها إلى إرسال رسالة واضحة مفادها أن البلاد تجاوزت مرحلة الحرب وأن الدولة ما زالت قادرة على إدارة مؤسساتها في جميع المحافظات تقريباً.

الانتخابات السورية هذه السنة تجري في ظل غياب المعارضة السياسية الفعلية، بعد أن تم حظر معظم الأحزاب المعارضة خارج إطار الجبهة الوطنية التقدمية، وهي التحالف السياسي الذي يقوده حزب البعث العربي الاشتراكي. كما أن ضعف المشاركة السياسية للنازحين واللاجئين السوريين المنتشرين في دول الجوار والعالم يجعل هذه الانتخابات محدودة التمثيل من الناحية الشعبية، وإن كانت حاضرة من الناحية الشكلية.

في المقابل، يرى البعض أن استمرار العملية الانتخابية رغم الأزمات المعيشية الخانقة وارتفاع الأسعار وانهيار العملة السورية يعكس محاولة السلطة الحفاظ على مظهر الدولة المؤسساتية، حتى وإن كان البرلمان السوري في نظر الكثيرين يفتقر إلى الصلاحيات الحقيقية في صناعة القرار السياسي أو الاقتصادي، الذي يبقى محصوراً في دائرة ضيقة من السلطة التنفيذية.

ورغم الانتقادات الدولية التي توجه عادة لهذه الانتخابات بوصفها تفتقر إلى المعايير الديمقراطية، فإن دمشق تؤكد دائماً أن الشعب السوري وحده هو من يملك الحق في اختيار ممثليه، وترى في هذه العملية تعبيراً عن السيادة الوطنية في مواجهة الضغوط الخارجية التي تحاول التأثير في المسار السياسي للبلاد.

وبين من يرى في هذه الانتخابات محاولة لإعادة إنتاج المشهد نفسه، ومن يعتبرها خطوة رمزية في طريق استعادة الحياة المؤسساتية، تبقى الحقيقة أن سوريا ما زالت تعيش مرحلة ما بعد الحرب بكل تعقيداتها، وأن طريق التعافي السياسي والاقتصادي لا يزال طويلاً وشائكاً. فالبلاد بحاجة إلى مصالحة وطنية حقيقية، وإلى انفتاح سياسي شامل يتيح للسوريين جميعاً أن يشاركوا في صياغة مستقبلهم بحرية وعدالة.

في النهاية، تبقى الانتخابات السورية مرآة تعكس طبيعة المرحلة التي تعيشها البلاد: استقرار نسبي تراقبه القوى الإقليمية والدولية عن كثب، وإرادة داخلية تسعى إلى التمسك بمظاهر الدولة رغم الجراح العميقة التي خلفتها سنوات الحرب. فهل تكون هذه الانتخابات خطوة نحو استقرار دائم، أم مجرد فصل جديد من محاولات تثبيت الأمر الواقع؟ سؤال يبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات، في بلد لا يزال يبحث عن توازنه بين الماضي الموجع والمستقبل المجهول.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا