أخباروطنية

جيل “زد” يكتب فصلاً جديدًا في التاريخ المغربي: من الغضب الشعبي إلى معركة الكرامة الوطنية

لم تعد احتجاجات “جيل زد” بالمغرب حدثًا عابرًا، بل تحولت إلى مرآة صافية تعكس خللاً عميقًا في العلاقة بين الشباب والدولة. فالمشهد اليوم في شوارع الرباط والدار البيضاء وأكادير ووجدة يُظهر جيلاً خرج من رحم الأزمات، لا تحركه الأيديولوجيا بقدر ما يدفعه الإحباط، ولا يقوده حزب ولا نقابة، بل الوعي الجمعي الذي صنعته المنصات الرقمية وشعور عارم بعدم العدالة الاجتماعية.

الحراك الذي بدأ بمطالب تحسين الخدمات الصحية بعد حوادث مأساوية في مستشفى أكادير، سرعان ما تمدد ليصبح نداءً جماعيًا من أجل الكرامة، العدالة، والتعليم اللائق. وتؤكد التقارير الميدانية أن عدد المعتقلين تجاوز 400 شخص، فيما بلغ عدد الإصابات في صفوف الأمن أكثر من 260، وسُجلت ثلاث وفيات في بلدة القليعة إثر اشتباكات دامية. وعلى الرغم من أن الحكومة دعت إلى التهدئة والحوار، إلا أن صدى الشارع يبدو أقوى من بيانات التبرير.

في عمق هذه الحركة يكمن سؤال وجودي: ماذا يعني الانتماء لوطن لا يضمن لأبنائه الحق في العلاج الكريم والتعليم الجيد؟ المشاريع الكبرى التي تبني صورة دولية للمغرب لا تجد صداها في حياة الشباب الذين يرون في أنفسهم ضحايا سياسات اقتصادية لا تُنصت لهم. وبينما تتحدث الحكومة عن المؤشرات الماكرو-اقتصادية، يجيب الشارع بلغة أبسط: “نريد دولة تراعي الإنسان قبل الأرقام”.

احتجاجات “جيل زد” ليست تمرّدًا على الدولة، بل على أسلوب إدارة الدولة. هي صرخة ضد الإقصاء، وضد الوسائط التقليدية التي فقدت المصداقية، وضد الإحساس بأن المستقبل محجوز لفئة قليلة. جيل رقمي متصل بالعالم، لا يقبل لغة الخوف، ويؤمن بأن الكرامة لا تُمنح بل تُنتزع بالنقاش والوعي والسلمية.

المراقبون يرون أن المؤسسة الملكية، بصفتها ضامن الاستقرار، ستتدخل لتوجيه بوصلة الإصلاح نحو القطاعات الأكثر إيلامًا، وأن الخطاب الملكي المقبل سيكون لحظة فاصلة بين مرحلة التجميل ومرحلة التغيير. فإما أن تُلتقط الرسالة وتُترجم إلى إصلاحات حقيقية تعيد الثقة بين الدولة وشبابها، أو تستمر حالة الغليان التي تُهدد بتحويل السخط إلى ثقافة.

إن ما يعيشه المغرب اليوم ليس مجرد احتجاجات عابرة، بل امتحان نُضجٍ سياسي ومجتمعي. فالأمم تُقاس بقدرتها على الإصغاء قبل الردّ، وعلى الإصلاح قبل الانفجار. وجيل “زد” لم يخرج ليهدم، بل ليُعيد ترتيب أولويات وطنٍ يريد أن يعيش فيه بكرامة ووعي ومسؤولية.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا