أراء وكتاب

“الشباب المغربي وشراكة الحوار من أجل المستقبل”

كتبه _ فؤاد الخنشافي محامي بهيئة الرباط

في الأيام الأخيرة، اهتزّت الساحة الوطنية على وقع احتجاجات شبابية حملت شعارات مؤثرة تختزل هموماً اجتماعية واقتصادية متراكمة، وتعكس رغبة جيلٍ كامل في أن يُسمع صوته في صناعة القرار العمومي. لم تكن تلك الاحتجاجات مجرّد تعبير عن الغضب، بل كانت في عمقها رسالة سياسية واضحة المعالم مفادها أن الوقت قد حان ليصبح الشباب فاعلاً أساسياً لا مجرد متفرّج على سياسات تُتخذ باسمه دون مشاركته.

يُشكّل الشباب المغربي أكثر من ثلثي الهرم السكاني، وهو ما يجعله رصيداً استراتيجياً لأي مشروع تنموي أو إصلاحي. وقد أقرّ دستور 2011 في فصله الثالث والثلاثين أن السلطات العمومية مطالبة باتخاذ التدابير الملائمة لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد. غير أنّ المسافة ما زالت كبيرة بين النص والممارسة، فالشباب، رغم كفاءاتهم وحيويتهم، ما زالوا في الغالب على هامش مراكز القرار، يكتفون بالتعبير عن آرائهم في العالم الافتراضي أو في الشارع حين تُغلق أمامهم قنوات التواصل المؤسسي.

الاحتجاج في حد ذاته ليس جريمة، بل حقّ دستوري وقانوني، إذ يضمن الفصل 29 من الدستور المغربي حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، كما تؤكد المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن هذا الحق لا يجوز تقييده إلا بما هو ضروري في مجتمع ديمقراطي. من هذا المنطلق، فإنّ الاحتجاج لا يُعدّ تمرّداً على الدولة بقدر ما هو مؤشر على حيوية المجتمع. وكما قال الفيلسوف ميشيل فوكو: “حين يتكلم الناس في الشوارع، فذلك لأن المؤسسات فقدت لغتها”. فالشارع يصبح، حين تُصمّ الآذان، وسيلة بديلة للتعبير السياسي.

لقد أظهرت التجارب الوطنية والدولية أن الحكومات الرشيدة لا تنتظر الاحتجاجات لتسمع نبض الشارع، بل تخلق آليات استباقية للحوار والتشاور. ومن بين هذه الآليات التي يمكن تبنيها، إنشاء مجالس شبابية استشارية على المستويات المحلية والجهوية، وتنظيم منتديات دورية تجمع ممثلي الحكومة بالشباب، وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي الرسمية كجسور تفاعلية بين الطرفين. فالمشاركة الاستباقية تصنع الشرعية، بينما القمع اللاحق يستهلكها، كما يقول أحد المفكرين الإداريين.

التحدي الحقيقي اليوم يتمثل في تغيير فلسفة العلاقة بين الدولة والشباب، من منطق المواجهة والردّ الأمني إلى منطق الحوار والإصغاء. العدالة، كما يراها الفيلسوف الأمريكي جون رولز، تتحقق حين يشعر المواطن بأنه مسموع ومعتبر، حتى وإن لم يتحقق مطلبه.. من هنا يصبح الحوار المسبق أذكى وسائل حفظ الاستقرار، فالشباب الذين يُصغى إليهم يدافعون عن الدولة، لا يحتجون ضدها.

من الضروري التفكير في إطلاق ميثاق وطني للحوار مع الشباب يضم القطاعات الحكومية والمجالس المنتخبة والمنظمات المدنية والجامعات ومراكز البحث. هذا الميثاق يمكن أن يؤسس لثقافة تشاركية جديدة تضمن الاستماع الدوري إلى انشغالات الشباب، ومعالجة المطالب المشروعة بطرق مؤسساتية، وتحديد القنوات القانونية للتظاهر السلمي، وتوفير ضمانات تحمي الحق في الاحتجاج المشروع.

الشباب المغربي اليوم لا يطلب المستحيل، هو فقط يريد أن يكون جزءاً من القرار لا موضوعاً له. جيل واعٍ، متعلّم، يرى العالم ويتفاعل معه، ويدرك أن مستقبله لا يُبنى بالانتظار بل بالمشاركة الفعلية. ولذلك، فإنّ الحكومات الذكية ليست التي تُطفئ الاحتجاج، بل التي تسمعه قبل أن يشتعل، لأن الشباب إن لم يُدعَ إلى طاولة القرار، فسيجد دوماً طريقه إلى الشارع

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا