
في لحظة امتزجت فيها مشاعر الفرح بالدموع، خرج مئات الفلسطينيين في قطاع غزة إلى الشوارع فجر اليوم، تعبيراً عن ارتياحهم بعد الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار، يُنتظر أن يُنهي جولة دموية طويلة من العنف والتصعيد العسكري الذي دام أكثر من عامين.
الهدنة التي جاءت في سياق ضغوط إقليمية ودولية، وُصفت بأنها بداية محتملة لمسار تهدئة أوسع، رغم أن الشكوك ما تزال قائمة بشأن استمراريتها، خاصة مع غياب ضمانات تنفيذ حقيقية من قبل الجانب الإسرائيلي، وتباين مواقف الأطراف السياسية الفلسطينية.
في شوارع خان يونس وغزة ودير البلح، علت أصوات الزغاريد، وأطلقت السيارات أبواقها في مشاهد نادرة منذ تصاعد العدوان على القطاع. في مستشفى شهداء الأقصى، اصطف العشرات من العائلات التي أنهكها القصف لتبادل التهاني، في وقت لا تزال الجروح الجسدية والنفسية مفتوحة على مصراعيها.
ورغم الأوضاع الصعبة، استعاد الناس لحظات من الفرح المسروق. لكن خلف هذه الاحتفالات، يظل المشهد الإنساني مروّعًا: أحياء مدمرة بالكامل، وشهداء تجاوز عددهم 67 ألفًا، بينهم آلاف الأطفال والنساء، ومئات الآلاف من الجرحى والمصابين، علاوة على انهيار شبه كامل للبنية التحتية، وواقع اقتصادي وإنساني يقترب من حافة الانهيار التام.
لم تكن الحرب على غزة حرب صواريخ فقط، بل كانت أيضًا حربًا على لقمة العيش والمياه النقية والدواء. فقد استخدمت إسرائيل سلاح الحصار والتجويع كأداة ضغط جماعي، مما أدى إلى كارثة صحية واجتماعية خانقة، طالت قرابة مليوني إنسان يعيشون في شريط محاصر منذ أكثر من 17 عامًا.
ومع كل عملية عسكرية، كانت تتآكل مقومات الحياة: الكهرباء لا تتجاوز ساعات معدودة يومياً، المستشفيات شبه منهارة، والتعليم معطّل، وأزمات الغذاء تتضاعف مع كل يوم تأخير في دخول المساعدات.
ورغم الأجواء الاحتفالية، يبدي كثير من الغزيين حذرهم، إذ تعتبر الهدن السابقة مجرد استراحات قصيرة في مسلسل أطول من الصراع. ويتساءل البعض: هل هذه الهدنة بداية لإنهاء الحصار؟ أم أنها مجرّد وقف مؤقت للدمار في انتظار جولة أخرى من التصعيد؟
المبادرة التي قادت إلى الهدنة هذه المرة حملت بصمات دولية، خصوصًا من واشنطن التي تسعى إلى تثبيت تهدئة طويلة ضمن رؤية سياسية أوسع، يُرجّح أن تثير جدلاً داخل الساحة الفلسطينية وبين مختلف الفصائل.
في ظل المشهد الحالي، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة إطلاق عملية سياسية جدّية، تأخذ بعين الاعتبار الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وعلى رأسها رفع الحصار، وضمان إعادة إعمار ما دمرته الحرب، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت.
لكنّ الطريق ما زال معقدًا، والتحديات متشابكة، خاصة في ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي، وتراجع الاهتمام الدولي بملف غزة بمجرد انتهاء العمليات العسكرية.