
في تطور لافت يعكس مرحلة جديدة من الحرب الدائرة في قطاع غزة، كشفت تقارير عبرية، نقلتها وسائل إعلام دولية من بينها “روسيا اليوم”، عن خطة إسرائيلية قيد الإعداد تقضي بانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من القطاع، مع إعادة تموضعها على ما يُعرف بـ”الخط الأصفر”، في خطوة توحي بتحوّل تكتيكي يحمل في طياته دلالات عسكرية وسياسية عميقة.
ووفقاً للتقرير العبري، فإن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية شرعت فعلاً في تنفيذ مراحل أولية من الانسحاب، تشمل سحب بعض الوحدات اللوجستية من مناطق التماس في مدينة غزة، تمهيداً لتقليص حجم الانتشار الميداني، بعد أشهر طويلة من العمليات المكثفة التي استنزفت الجنود والمعدات على حد سواء. وتشير المعطيات المتداولة إلى أن الجيش يسعى إلى إعادة هيكلة تموضعه بما يسمح له بالحفاظ على السيطرة النارية من خارج التجمعات السكنية، مع تقليص الاحتكاك المباشر بالمقاتلين الفلسطينيين داخل الأحياء المكتظة.
ورغم أن الحكومة الإسرائيلية لم تصدر بعد أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي هذه الخطة، إلا أن تزايد التقارير الإعلامية العبرية حولها يوحي بوجود نقاش فعلي داخل دوائر صنع القرار بشأن ضرورة مراجعة الميدان وإعادة تقييم الكلفة مقابل الأهداف. فبعد عام تقريباً من المعارك المستمرة، يواجه الجيش تحديات متصاعدة تتعلق بالإرهاق القتالي، وتراجع التأييد الداخلي لاستمرار العمليات، فضلاً عن الضغوط الدولية المتنامية المطالبة بوقف إطلاق النار وفتح مسارات إنسانية عاجلة.
من زاوية أخرى، يرى مراقبون أن هذا الانسحاب – إن تمّ فعلاً – قد يكون جزءاً من صفقة سياسية أو ميدانية أوسع، ربما تتصل بالمفاوضات الجارية بشأن الأسرى أو بمساعي الولايات المتحدة لفرض تهدئة مرحلية في القطاع. فإعادة التموضع لا تعني بالضرورة نهاية الحرب، بل قد تكون تمهيداً لمرحلة جديدة من إدارة الصراع بوسائل مختلفة، تجمع بين الضغط العسكري المحدود والرهان السياسي على التفاهمات الإقليمية.
وبينما يترقب العالم الخطوات الإسرائيلية المقبلة، يعيش الفلسطينيون في غزة حالة من القلق والترقب، بين أملٍ في توقف آلة الحرب التي أنهكتهم، وخشية من أن يكون الانسحاب المعلن مجرد استراحة محارب قبل جولة جديدة من التصعيد. في كل الأحوال، تبقى الحقيقة الثابتة أن الدماء التي أُريقت في القطاع لا يمكن محوها بخط انسحابٍ أو بقرار إعادة تموضع، وأن المأساة الغزّية تجاوزت حدود الجغرافيا لتغدو جرحاً إنسانياً مفتوحاً في ضمير العالم.