
زِنا المحارم هو الاعتداء الجنسي داخل الروابط العائلية التي يفترض أن تكون ملاذاً للأمان والحماية، لكنه يتحول إلى كابوس مؤلم ينهش كرامة الضحايا ويقوض ثقتهم بالعالم. في المغرب، لا يُدرج هذا الفعل تحت اسم محدد في التشريع، بل يُلاحَق من خلال جرائم الاغتصاب وهتك العرض، خصوصاً إذا وقع من الأب أو الوصي أو من لهم سلطة أسريّة على الضحية. ينص القانون الجنائي على عقوبات قاسية للاغتصاب، وتُشدَّد العقوبة إذا كانت الضحية قاصرة أو إذا كان الجاني من ذوي القرابة أو السلطة عليها، ما يعكس إدراك المشرّع لخطورة هذا النوع من الجرائم ضمن السياق الأسري.
تكشف الإحصاءات الحديثة للمندوبية السامية للتخطيط أن واحدًا من بين كل أربع فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 19 سنة يُعلِنَّ تعرضه لعنف جنسي خلال سنة ما، مع أن أكثر من نصف تلك الحالات تقع في أماكن مألوفة كالمنزل أو ضمن محيط العائلة. فالمشكلة لا تكمن فقط في الفعل ذاته، وإنما أيضاً في ثقافة الصمت والخوف التي تحيط به. فالضحية كثيراً ما تتردّد في التبليغ خوفًا من الوصم أو العقاب أو تشويه سمعة العائلة، أو بسبب اعتمادها الاقتصادي على الجاني. كذلك، يفاقم ضعف البنى العمومية المختصة في الاستجابة السريعة، ونقص وحدات متخصصة في الفحص النفسي والطبي للأطفال، من حجم المشكلة وصعوبة مواجهتها الفعلية.
إن تغييب تسمية صريحة لـ«زِنا المحارم» في التشريع ليس حرية تطويع بل ثغرة في الحماية؛ فالتصنيف الصريح يزيد من الوعي والرصانة القانونية، ويمنح الضحايا جرأة على التحدث، ويجمّع الاجتهادات القضائية تحت ضوابط واضحة. وبينما يحمي القانون المغربي بالفعل من الاعتداءات الجنسية بطرق غير مباشرة، يبقى من الأهمية بمكان أن تُعدَّ صيغة قانونية موحدة تضمّ الجرائم الجنسية داخل الأسرة، وأن تُشدَّد العقوبات تلقائيًا في حالات القُربى والوصاية.
لا يكفي أن يُعاقَب الجاني؛ فالمسألة تُشتعل في البعد الوقائي. فالعائلة والمدارس ووسائل الإعلام يجب أن تُشارك في نشر ثقافة الوعي بحقوق الجسد، والتمييز بين الحميمية الصحية والاعتداء. ويجب أن تُعمَّم وحدات دعم نفسي وقانوني في المناطق البعيدة، تُمكِّن الضحية من الوصول إلى المساعدة بغض النظر عن وضعها الاجتماعي أو الجغرافي. كما أن أولى خطوات الإنقاذ تكون بحماية الضحية فوراً، بإبعاد المشتبه به من محيطها، وتقديم مصاحبة طبية وقانونية عاجلة، دون انتظار أي قرارات بيروقراطية.
ما يجعل هذا الجرح شديد المرايا هو أن الجاني غالبًا شخصية مألوفة؛ الأب، الأخ، القريب الذي تعبّر له الضحية عن ثقتها. هذا الانفصال بين الوجه الاجتماعي الموثوق والفعل المظلم يولّد صدمة مزدوجة: صدمة الاعتداء وصدمة الخذلان. وإذ تُسلّط الأضواء على هذه الجريمة وتُسمّى باسمه، فإنّ أول خطوة نحو الشفاء هي الاعتراف بأن ما يحصل داخل جدران البيت ليس دائمًا آمناً، وأن العائلة التي تُفترَض أن تضيء تُصبح أحيانًا أشد ظلمة.