
في زوايا المدن، وتحت حرارة الشمس أو برودة الليل، ترى وجوهًا صغيرة تحمل ملامح الحيرة قبل الطفولة، وأياديَ ناعمة تبحث عن رغيفٍ أو عن نظرةِ حنانٍ ضاعت بين الزحام.
هؤلاء الأطفال لم يختاروا مصيرهم، وُلدوا في عالمٍ قاسٍ، لأبوين لم يقدّرا معنى المسؤولية، ولم يدركا أن إنجاب طفلٍ ليس لعبةً، بل عهدٌ أمام الله والحياة.
كم من طفلٍ جاء إلى الدنيا ليجد نفسه بلا بيت، بلا تعليم، بلا صدرٍ يحتضنه حين يبكي؟
كم من أمٍّ تركت صغيرها في الشارع، وكم من أبٍ أدار ظهره، هاربًا من واجبٍ لا يسقط بالصمت ولا بالفقر؟
إنّها مأساة تتكرّر كلّ يوم، مأساةُ الطفولة المهدورة في الأرصفة، والبراءة المكسورة في العيون.
أطفالٌ يُفترض أن يلعبوا، يضحكوا، ويتعلّموا، صاروا يجرّون أكياس البلاستيك، وينامون على الأرصفة، يحلمون فقط بقطعة خبزٍ أو كلمةِ دفء.
التربية ليست رفاهيةً ولا ترفًا، بل هي حقّ مقدّس لكلّ طفلٍ يُولد.
من لا يملك القدرة على تربية طفلٍ وتعليمه، لا يملك الحقّ في إنجابه، لأنّ الطفولة ليست تجربةً عابرة، بل أمانةٌ ثقيلة تحتاج إلى قلبٍ، وصبرٍ، ومسؤولية.
وفي النهاية، يبقى السؤال المؤلم:
من سيُعيد لهؤلاء الصغار حقّهم في حياةٍ آمنة، في دفءٍ وأملٍ وسقفٍ يقيهم قسوة العالم؟
ومن سيوقظ ضمائرَ الآباء قبل أن يولد أطفالٌ آخرون إلى الشوارع؟