أراء وكتاب

من الميثاق إلى المشاركة: الشباب يدخلون زمن الفعل

بقلم : فؤاد الخنشافي محامي بهيئة الرباط

لم يكن الحديث عن الشباب يومًا ترفًا سياسيًا أو شعارًا موسميا، بل كان دائمًا مرآة لمدى نضج الدولة في قراءة مستقبلها واستباق تحولات مجتمعها. واليوم، و مع تفعيل المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي ، يدخل المغرب مرحلة جديدة من تاريخ علاقته بشبابه، مرحلة عنوانها الانتقال من القول إلى الفعل، ومن التنظير إلى المشاركة الحقيقية.

في المقال السابق، دعونا إلى إطلاق ميثاق وطني للحوار مع الشباب، يكون بمثابة جسر للتواصل والتفكير الجماعي بين الجيل الجديد وصناع القرار. واليوم، يبدو أن هذه الدعوة بدأت تجد صداها في مسار المؤسسات، من خلال إعادة إحياء المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي كإطار مؤطر للحوار الوطني وفضاء لإسماع الصوت الشاب داخل دوائر صنع القرار. لم يعد الشباب موضوعًا يُتحدَّث عنه من الخارج، بل أصبحوا طرفًا حاضرًا في صياغة الرؤية من الداخل، وهذه النقلة النوعية تشكل تحولًا ديمقراطيًا هادئًا يستحق البناء عليه بثقة ومسؤولية.

إن تفعيل المجلس الاستشاري للشباب ليس مجرد إجراء بروتوكولي، بل إعلان ضمني عن رهان وطني جديد، قوامه الإيمان بأن الطاقة الشبابية قادرة على صناعة الفرق. فالدولة، وهي تفتح الباب أمام مؤسسة تُعنى بإسماع صوت الشباب، إنما تُعلن أن التنمية لا يمكن أن تُبنى بمعزل عنهم، وأن الجيل الجديد لم يعد متفرجًا على السياسات العمومية، بل جزءًا منها، يشارك في هندستها وتقييمها وتطويرها.

لكن، كما أن هذه الخطوة تحمل في طياتها الأمل، فهي تضع الجميع أمام اختبار التفعيل. فالتحديات كثيرة: كيف سيُبنى المجلس عمليًا ليكون فضاءً حيًّا وفاعلًا؟ كيف سنضمن تمثيل كل شرائح الشباب من مختلف الجهات والطبقات، وليس فقط نخبة المدن الكبرى؟ وهل ستُرصد له الإمكانيات المادية والبشرية الكفيلة بتحويل التوصيات إلى قرارات؟ ثم كيف سنقيس مدى تجاوب الحكومة مع مقترحات المجلس ومتابعة تنفيذها؟ هذه الأسئلة لا تُقلّل من أهمية المبادرة، بل تمنحها بعدًا واقعيًا يضعها في قلب النقاش الوطني حول جدوى المؤسسات وأثرها الملموس في حياة المواطنين.

لقد تعب الشباب من الوعود، وهم اليوم أكثر وعيًا ونضجًا وإصرارًا على أن يكونوا شركاء حقيقيين لا مجرد ديكور في المشهد السياسي. وما يحدث اليوم ليس غاية في ذاته، بل بداية لمسار جديد يجب أن يترسخ من خلال ممارسة حقيقية للحوار، والانفتاح على أفكار جديدة، والإيمان بأن صوت الشباب ليس خصمًا، بل شريكًا في البناء.

تخيل قاعة كبرى يجلس فيها ممثلون عن الحكومة، وفاعلون جمعويون، وشباب من كل مناطق المملكة، يناقشون بصراحة قضايا التشغيل والتعليم والثقافة والبيئة. لا شعارات ولا بروتوكولات، فقط نقاش صادق حول ما يجب تغييره. تلك هي الصورة التي نحتاجها اليوم: حوار وطني يعيد الثقة بين الدولة وشبابها، ويحوّل الخطاب إلى ممارسة حية.

إن المرحلة المقبلة تتطلب أن ننتقل من الميثاق إلى المشاركة، ومن الاستماع إلى التنفيذ، لأن الشباب لا ينتظرون من يسمعهم فقط، بل من يؤمن بقدرتهم على التغيير. والتاريخ لا يُكتب بالخطب، بل بالفعل.

ولعل ما قاله جلالة الملك محمد السادس في أحد خطاباته يختصر كل المعاني:

«إن الشباب المغربي هو طاقة أملٍ لا تنضب، وهو الثروة الحقيقية التي يجب أن توضع في قلب كل السياسات العمومية، لأن مستقبل الوطن لا يمكن أن يُبنى إلا بسواعد شبابه وعقولهم.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا