منوعات

الهجرة غير الشرعية

الرباط _ حليمة زروال

تُعدّ الهجرة غير الشرعية من أبرز الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشغل الرأي العام في دول شمال إفريقيا وأوروبا على حد سواء. فهي تمثل انعكاسًا مباشرًا للأزمات الاقتصادية، وضعف التنمية، وتراجع فرص العمل، إضافة إلى الصراعات السياسية وعدم الاستقرار في عدد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء. ومع أن الهجرة ظاهرة إنسانية قديمة، فإن تفاقمها في العقود الأخيرة جعلها من القضايا الأمنية والسياسية الأولى في العالم.
تُعدّ دول شمال إفريقيا — المغرب، الجزائر، تونس، وليبيا — مناطق عبور رئيسية نحو الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، إذ تشكل الجسر الذي يربط إفريقيا بأوروبا. ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء وتزايد الفقر والبطالة، أصبحت هذه الدول تستقبل أعدادًا متزايدة من المهاجرين غير النظاميين الذين يسعون للوصول إلى أوروبا بأي وسيلة، غالبًا عبر طرق خطيرة برًا أو بحرًا.
في المغرب، على سبيل المثال، تحوّلت البلاد خلال العقد الأخير من دولة عبور إلى دولة استقبال أيضًا، إذ استقر فيها آلاف المهاجرين الأفارقة، بينما حاول آخرون الوصول إلى إسبانيا عبر مدينتي سبتة ومليلية أو عبر البحر. وقد تبنّت الرباط سياسة جديدة للهجرة تقوم على تسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين، ومنحهم تصاريح إقامة مؤقتة وفرصًا للاندماج، في خطوة نالت إشادة المنظمات الدولية. ومع ذلك، تبقى محاولات العبور غير النظامي مستمرة، مدفوعة بضعف فرص العمل في بلدان المصدر والإغراءات الاقتصادية في أوروبا.
أما الجزائر، فقد شهدت تدفقات متزايدة للمهاجرين الأفارقة من بلدان الساحل، مثل النيجر ومالي، وغالبًا ما يتم استخدام أراضيها كنقطة انطلاق نحو تونس أو المغرب أو مباشرة نحو ليبيا. ومع ذلك، تتعامل السلطات الجزائرية مع الظاهرة من منظور أمني بالأساس، من خلال تعزيز المراقبة الحدودية وترحيل المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما يثير أحيانًا انتقادات من منظمات حقوق الإنسان.
تونس، التي تواجه بدورها أزمات اقتصادية متفاقمة، أصبحت نقطة عبور مركزية للمهاجرين نحو إيطاليا، خاصة عبر سواحل صفاقس التي تحوّلت إلى مركز رئيسي لرحلات البحر الأبيض المتوسط. وفي السنوات الأخيرة، ازداد عدد التونسيين أنفسهم الذين يخوضون هذه المغامرة الخطيرة، مدفوعين بالإحباط الاجتماعي وغياب الأفق الاقتصادي.
أما ليبيا، فتمثل الحالة الأكثر تعقيدًا، إذ أدى انهيار الدولة منذ 2011 إلى تحوّلها إلى مركز رئيسي لشبكات التهريب والهجرة غير النظامية. يستغل المهرّبون ضعف الرقابة الأمنية لتسيير قوارب مكتظة بالبشر نحو السواحل الإيطالية والمالطية، ما جعل ليبيا منطلقًا رئيسيًا لما يُعرف بـ«طريق البحر المتوسط الأوسط» الذي يُعدّ الأخطر عالميًا من حيث عدد الوفيات في البحر.
تتعدد أسباب الهجرة غير الشرعية، لكنّها تتقاطع في جوهرها حول غياب التنمية والعدالة الاجتماعية، واستمرار النزاعات المسلحة، وتدهور المناخ الذي يدمر الأراضي الزراعية ويؤدي إلى نقص الغذاء والماء. من جهة أخرى، تُسهم شبكات التهريب والجريمة المنظمة في تأجيج الظاهرة من خلال استغلال يأس المهاجرين وجني أرباح طائلة من معاناتهم.
تتعامل أوروبا مع الهجرة غير الشرعية بسياسات مزدوجة؛ فمن جهة تعمل على تشديد المراقبة الحدودية وتمويل دول العبور لوقف تدفق المهاجرين، ومن جهة أخرى تُحاول عبر برامج التنمية دعم المشاريع الاقتصادية في إفريقيا. غير أن هذه المقاربات الأمنية لم تنجح في الحد من الظاهرة بشكل ملموس، لأن جذورها اقتصادية واجتماعية بالأساس، ولا يمكن احتواؤها دون معالجة أسبابها الأصلية.
في المقابل، تتجه بعض دول شمال إفريقيا نحو تبني مقاربة أكثر إنسانية وشمولية، توازن بين البعد الأمني والبعد التنموي. فالمغرب مثلًا أطلق منذ عام 2014 سياسة جديدة للهجرة واللجوء ترتكز على تسوية الوضع القانوني للمهاجرين وحمايتهم، في حين تدعو تونس والمنظمات المدنية فيها إلى وضع إطار قانوني شامل ينظم الهجرة ويحمي المهاجرين من الاستغلال.
يمكن القول إن الهجرة غير الشرعية ليست مجرد حركة أشخاص عبر الحدود، بل هي مرآة لأزمة التنمية في الجنوب وأزمة القيم في الشمال. إنها نتيجة مباشرة لفجوة الثراء العالمية ولسياسات اقتصادية غير عادلة. ولا يمكن لأي جدار أو اتفاق أمني أن يوقفها ما لم تُبذل جهود مشتركة بين دول المصدر والعبور والمقصد لإرساء نموذج تعاون يقوم على التنمية المشتركة، وتوفير بدائل حقيقية للشباب في بلدانهم الأصلية، وإعادة النظر في النظام الاقتصادي العالمي الذي يدفع الملايين إلى الهروب بحثًا عن حياة كريمة.

Ahame Elakhbar | أهم الأخبار

جريدة أهم الأخبار هي جريدة مغربية دولية رائدة، تجمع بين الشمولية والمصداقية، وتلتزم بالعمل وفقًا للقانون المغربي. تنبع رؤيتها من الهوية الوطنية المغربية، مستلهمة قيمها من تاريخ المغرب العريق وحاضره المشرق، وتحمل الراية المغربية رمزًا للفخر والانتماء. تسعى الجريدة إلى تقديم محتوى يواكب تطلعات القارئ محليًا ودوليًا، بروح مغربية أصيلة تجمع بين الحداثة والجذور الثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا