دوليةسياسة

الوساطة الأمريكية بين المغرب والجزائر.. فرصة سلام أم سباق مع الزمن؟

تشهد الكواليس الدبلوماسية في هذه الأيام حراكاً غير مسبوق تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لإذابة الجليد بين الرباط والجزائر بعد عقود من القطيعة والتوتر. وقد أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف (Steve Witkoff) أن واشنطن تعمل على اتفاق سلام بين البلدين في غضون ستين يوماً، في خطوة تُعدّ الأجرأ من نوعها منذ سنوات طويلة، وتعكس رغبة الإدارة الأمريكية في استعادة زمام المبادرة بشمال إفريقيا، وإعادة رسم موازين الاستقرار في منطقة حيوية تشهد تنافساً حاداً وتقاطعات معقدة بين السياسة والاقتصاد والأمن.

يعود أصل الخلاف إلى قضية الصحراء المغربية التي شكّلت محور النزاع الأكبر بين الجارين. فالمغرب يتمسك بوحدته الترابية ويقدّم مقترح الحكم الذاتي تحت سيادته كحلّ نهائي واقعي ومدعوم دولياً، فيما ترى الجزائر في دعمها لجبهة البوليساريو امتداداً لمبدأ تقرير المصير الذي تتبناه منذ عقود. وقد تحوّل هذا الخلاف إلى حاجز سميك فصل بين البلدين لعقود، تخللته توترات متكرّرة كقطع العلاقات الدبلوماسية سنة 2021 واستمرار إغلاق الحدود منذ 1994، ما عمّق الهوة وأطفأ أي أمل في بناء اتحاد مغاربي متكامل.

الوساطة الأمريكية تأتي في لحظة دقيقة، إذ تدرك واشنطن أن استمرار هذا الجمود يُعيق استقرار شمال إفريقيا ويُضعف مسار التنمية الإقليمية، كما يمنح الفرصة لقوى أخرى – مثل روسيا والصين – لتوسيع نفوذها في المنطقة. ومن هذا المنطلق، يسعى المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى تقريب وجهات النظر بين الرباط والجزائر عبر مقاربة تدريجية تبدأ بخطوات لبناء الثقة، وربما بإعادة فتح الحدود، تمهيداً لبلورة تفاهمات أوسع لاحقاً.

ويرى مراقبون أن هذه الوساطة لا تقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل تحمل في طياتها بُعداً اقتصادياً واستراتيجياً واضحاً. فالمغرب يواصل جذب الاستثمارات الكبرى في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية، بينما تسعى الجزائر إلى توسيع شراكاتها الإقليمية واستغلال مواردها الطاقية بعيداً عن منطق العزلة. وتراهن واشنطن على أن تقاطع هذه المصالح قد يشكّل قاعدة مشتركة لإطلاق مسار سلام دائم، يعيد للمنطقة استقرارها المفقود منذ عقود.

وفي خضم هذا الحراك، برز تطوّر بالغ الأهمية في الداخل الصحراوي نفسه، إذ تشهد جبهة البوليساريو انقسامات غير مسبوقة في صفوفها، بين تيار متشدّد متمسّك بخطاب الحرب والجمود، وآخر براغماتي بدأ يدعو صراحةً إلى القبول بمقترح الحكم الذاتي كخيار واقعي يضمن للساكنة الصحراوية كرامتها وتنميتها ضمن السيادة المغربية. هذه الانقسامات التي تفجّرت في مخيمات تندوف تعبّر عن تحوّل جوهري في المزاج العام داخل الجبهة، بعدما أدرك كثير من قياداتها الميدانية أن مشروع “الدولة المستقلة” لم يعد يحظى بدعم دولي فعلي، وأن استمرار الوضع الراهن لا يخدم سوى المعاناة الإنسانية لسكان المخيمات.

هذا التحوّل داخل البوليساريو، إلى جانب المساعي الأمريكية النشطة، يشير بوضوح إلى أن ملف الصحراء المغربية يقترب من التسوية النهائية، وأن مبادرة الحكم الذاتي باتت تترسّخ كخيار واقعي ومتوافق عليه دولياً، يمهّد لاستقرار دائم وفتح صفحة جديدة من التعاون بين الرباط والجزائر.

ويبقى السؤال اليوم: هل ستنجح جهود ستيف ويتكوف في تحويل هذا الزخم الدبلوماسي إلى اتفاق فعلي يُنهي عقوداً من القطيعة، أم أن الستين يوماً ستنقضي دون اختراق؟ المؤكد أن أي خطوة نحو التقارب، ولو جزئية، ستكون حدثاً مفصلياً في تاريخ المنطقة، لأن سلام المغرب والجزائر ليس مجرد مصالحة بين بلدين متجاورين، بل مفتاح لاستقرار شمال إفريقيا بأكملها، وانطلاقة عهد جديد من التنمية والوحدة المغاربية المنشودة.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا