
قال عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن العمل السياسي ليس طريقًا مفروشًا بالورود، بل مسار مليء بالعقبات واللحظات القاسية، مؤكدا أنه رغم ما مرّ به الحزب من صعوبات منذ هزيمته الانتخابية سنة 2021، فإنه لا يزال حاضرًا في وجدان المغاربة، وقادرًا على استعادة مكانته في المشهد السياسي المغربي خلال الانتخابات التشريعية المقبلة لعام 2026.
وجاءت تصريحات بنكيران خلال افتتاح الملتقى الوطني للمرأة القروية، الذي نظمته منظمة نساء العدالة والتنمية، حيث تحدث بنبرة صريحة عن تجربته الطويلة في السياسة التي تجاوزت نصف قرن، قائلاً إنه مرّ بأوقات صعبة، بل فكر مرارًا في مغادرة العمل السياسي، قبل أن يجد نفسه مدفوعًا من جديد بفعل “بلسم الأقدار”، على حد تعبيره، ليواصل طريقه داخل الحزب والحركة التي رافقها منذ بداياته.
وأضاف الأمين العام للحزب أن السياسة ليست مجرد مقاعد في البرلمان أو مناصب في الحكومة، بل هي أن تكون في قلوب الناس، مشيرًا إلى أن العدالة والتنمية، رغم تقلص تمثيليته إلى 13 نائبًا برلمانيًا، ما زال يحتفظ بمكانة خاصة لدى شرائح واسعة من المواطنين. وأوضح أن الحزب لن يبقى في هذا الوضع طويلًا، قائلاً: “الراجح أننا سنأتي في المرتبة الأولى خلال انتخابات 2026، وإن لم يكن ذلك فسنكون في الثانية أو الثالثة”.
بنكيران الذي بدا مفعمًا بالثقة في المستقبل، شدد على أن دخول حزبه إلى معترك السياسة كان “قدراً إلهياً”، وليس بدافع الطموح الشخصي أو البحث عن المناصب، مضيفًا أن من يعمل في هذا الميدان يدرك قسوته وصعوبة مساراته، لكنه أيضًا مجال للاختبار والإيمان بالعمل العام. وأردف قائلاً: “كم من مرة قلت إنني سأغادر السياسة، لكنها دائمًا تجد سبيلها لتعيدني إليها”.
ويُنظر إلى هذه التصريحات على أنها رسالة مزدوجة: من جهة موجهة إلى قواعد الحزب لبث روح الثقة بعد سنوات من التراجع، ومن جهة أخرى إلى خصومه السياسيين للتأكيد على أن العدالة والتنمية ما يزال رقماً صعباً في المعادلة السياسية، وأن تجربته في المعارضة قد تكون مقدمة لعودة تدريجية نحو قيادة المشهد من جديد.
وتأتي تصريحات بنكيران في سياق استعدادات حزبه للانتخابات المقبلة، ومحاولته إعادة بناء التنظيمات الجهوية والمحلية التي تضررت عقب الهزيمة الانتخابية الأخيرة. كما تعكس رغبة الحزب في استعادة موقعه كقوة سياسية ذات امتداد شعبي، في وقت تعرف فيه الساحة الحزبية المغربية تحولات كبيرة، وتراجعًا في الثقة بين الناخبين والأحزاب التقليدية.
ويعتبر مراقبون أن هذه العودة في الخطاب السياسي لبنكيران تمثل محاولة لإحياء العلاقة الروحية بين الحزب وقاعدته التاريخية، القائمة على الإيمان بالقيم والمبادئ قبل المناصب والمكاسب. فالرجل الذي قاد الحكومة لولايتين متتاليتين ما زال يرى في حزبه مشروعًا إصلاحيًا طويل النفس، ينهض بالعمل السياسي على أساس القرب من الناس والوفاء لهم، لا على منطق المصالح الظرفية أو الحسابات الانتخابية الضيقة.
بهذا الخطاب، يبدو أن بنكيران يسعى إلى إعادة رسم صورة الحزب كممثل لـ”الضمير السياسي” للمغاربة، لا كمجرد منافس انتخابي، مؤكدًا أن السياسة بالنسبة إليه ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لخدمة الوطن والإصلاح من الداخل، مهما كانت الصعوبات والتقلبات.
وفي قراءة تحليلية لمستقبل حزب العدالة والتنمية في أفق انتخابات 2026، يرى المراقبون أن عودة الحزب إلى المراتب الثلاث الأولى ليست مستحيلة، لكنها مشروطة بجملة من التحولات التنظيمية والسياسية التي يتعين على قيادته تدبيرها بذكاء ومرونة. فالحزب يمتلك رصيدًا تاريخيًا في الذاكرة السياسية للمغاربة، خاصة في الأوساط الحضرية والمتوسطة، غير أن هذا الرصيد تآكل بفعل سنوات الحكم وما صاحبها من قرارات صعبة ومسافة متزايدة بين الخطاب والممارسة.
ولكي يستعيد العدالة والتنمية مكانته، يحتاج إلى إعادة بناء جسور الثقة مع قواعده الشعبية عبر خطاب صادق وميداني يلامس هموم الناس الحقيقية في المعيشة والتعليم والصحة والعدالة الاجتماعية، بدل الاكتفاء بالخطاب الأخلاقي أو الوجداني. كما أن الانفتاح على فئة الشباب والنساء وتجديد النخب داخل التنظيم يشكلان عاملًا حاسمًا في تجديد الدماء داخل الحزب وتوسيع قاعدته الانتخابية.
ومن جهة أخرى، فإن المشهد الحزبي المغربي يشهد حالة سيولة سياسية غير مسبوقة، مع تراجع في حضور بعض القوى التقليدية وبروز تحديات اقتصادية واجتماعية قد تعيد ترتيب أولويات الناخبين. في مثل هذه الأجواء، يمكن للحزب الذي يقدّم نفسه بوجه متجدد وصورة نزيهة أن يحقق اختراقًا مفاجئًا، خصوصًا إذا نجح بنكيران في إعادة توجيه دفة الحزب نحو القرب من المواطن بدل الصراع مع السلطة أو الخصوم السياسيين.
وفي المقابل، يرى بعض المحللين أن طريق العودة إلى الصدارة يظل صعبًا، لأن الحزب ما زال يدفع ثمن تجربته في الحكومة وما خلّفته من خيبة لدى جزء من ناخبيه، فضلًا عن وجود منافسين أقوياء مدعومين تنظيميًا وإعلاميًا. ومع ذلك، فإن عودة بنكيران إلى واجهة الخطاب السياسي، بما يحمله من كاريزما وتجربة، قد تعيد للعدالة والتنمية وهجه السابق وتضعه من جديد ضمن دائرة التأثير في المشهد الانتخابي المقبل.








