سياحةوطنية

المغرب.. حين تتجاوز الريادة حدود الملاعب وتبلغ عنان السماء

لم تعد الريادة المغربية مقتصرة على ساحات الملاعب وأهازيج الانتصار الكروي، بل امتدت لتشمل مجالات شتى أثبتت فيها المملكة قدرتها على التميز والتأثير في محيطها الإقليمي والدولي. فمنذ عقود، سلك المغرب طريقًا متدرجًا نحو التحديث والتطور، معتمدًا على رؤية ملكية بعيدة المدى جعلت من الاستدامة والابتكار والإنجاز الواقعي ركائز أساسية في مسار نهضته.

في مجال الطاقات المتجددة، تصدر المغرب قائمة الدول الإفريقية والعربية، إذ تحوّل إلى نموذج عالمي يحتذى به في استغلال الشمس والرياح والمياه لإنتاج الطاقة النظيفة. محطة “نور ورزازات” العملاقة تشهد على هذا التحول، فهي من أكبر المشاريع الشمسية في العالم، وقد مكّنت البلاد من تقليص اعتمادها على المصادر التقليدية، كما جعلت منها مصدر إلهام للعديد من الدول الساعية إلى التحول الأخضر. وبفضل هذه المشاريع، يسير المغرب بثبات نحو تحقيق هدفه بأن يتجاوز إنتاج الطاقات المتجددة نصف احتياجاته الكهربائية بحلول عام 2030.

أما في البنية التحتية والنقل، فقد خطا المغرب خطوات جبارة جعلته في مقدمة الدول الإفريقية. فافتتاح خط القطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء لم يكن حدثًا عابرًا، بل علامة فارقة تؤكد دخول المملكة عصر السرعة والدقة والحداثة. كما رسّخ ميناء “طنجة المتوسط” مكانته كأحد أكبر الموانئ في البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، إذ أصبح مركزًا عالميًا للتجارة واللوجستيك، يربط القارات الثلاث ويؤمن حركة الملاحة نحو أوروبا وآسيا وإفريقيا بكفاءة عالية.

وفي الفضاء والتكنولوجيا، برز المغرب كقوة صاعدة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والمراقبة الفضائية. إطلاق القمرين الصناعيين “محمد السادس – أ” و”محمد السادس – ب” مكّن المملكة من امتلاك عين دقيقة تراقب أراضيها وتتابع تطورات المنطقة بدقة علمية متقدمة، مما منحها استقلالية استراتيجية في جمع وتحليل المعطيات. كما انخرطت الجامعات ومراكز البحث المغربية في مشاريع رقمية رائدة بشراكات دولية، مما يعزز موقع البلاد في الثورة التكنولوجية الراهنة.

وفي القطاع الفلاحي والأمن الغذائي، يظل المغرب رائدًا بفضل احتياطه الضخم من الفوسفات الذي جعل منه أكبر مصدر عالمي لهذه المادة الحيوية. وتعد مجموعة المكتب الشريف للفوسفات (OCP) من أقوى المؤسسات الصناعية في العالم، إذ تلعب دورًا إنسانيًا واستراتيجيًا في دعم الأمن الغذائي الإفريقي عبر توفير الأسمدة بأسعار تفضيلية للدول الفقيرة. كما ساهمت السياسات الزراعية الحديثة في تعزيز الإنتاج الوطني وتحسين جودة الصادرات المغربية نحو الأسواق العالمية.

أما على المستوى الدبلوماسي، فقد نجح المغرب في أن يكون صوت الحكمة والاتزان في محيط مضطرب. بفضل دبلوماسيته الهادئة وحنكته في التفاوض، أصبح شريكًا موثوقًا في القضايا الإفريقية والعربية، ومساهمًا فاعلًا في جهود حفظ السلم ومكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية. وتُعد الرباط اليوم مركزًا للحوار والتفاهم بين الشمال والجنوب، وجسرًا للتعاون بين القارات.

ولم تخلُ الثقافة والفنون من بصمة مغربية متألقة، إذ أصبح مهرجان مراكش الدولي للفيلم من أبرز الفعاليات الفنية في المنطقة، وجذبت المدن العريقة مثل فاس وشفشاون والصويرة ومراكش ملايين الزوار بفضل ما تزخر به من تراث حضاري وروحي فريد. كما أبدع الفنانون المغاربة في السينما والموسيقى والعمارة، حاملين معهم هوية أصيلة تنفتح على العالم دون أن تفقد جذورها.

وهكذا، فإن الريادة المغربية ليست محصورة في كرة القدم، رغم مجدها المشهود، بل هي ثمرة مسار وطني شامل جمع بين الطموح والرؤية والإنجاز. لقد اختار المغرب أن يكون بلد المبادرة والابتكار، بلدًا يزاوج بين الأصالة والمعاصرة، ويبني مجده بالحكمة والعمل لا بالصدفة والارتجال. إنها ريادة تستمد قوتها من الإيمان بقدرة الإنسان المغربي على تجاوز الحدود وتحويل الحلم إلى واقع.

جواد مالك

إعلامى مغربى حاصل على الاجازة العليا فى الشريعة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عضو الاتحاد الدولى للصحافة العربية وحقوق الانسان بكندا . متميز في مجال الإعلام والإخبار، حيث يعمل على جمع وتحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل موضوعي وموثوق. يمتلك مهارات عالية في البحث والتحقيق، ويسعى دائمًا لتغطية الأحداث المحلية والدولية بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. يساهم في تشكيل الرأي العام من خلال تقاريره وتحقيقاته التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المغرب. كما يتعامل مع التحديات اليومية التي قد تشمل الضغوط العامة، مما يتطلب منه الحفاظ على نزاهته واستقلاليته في العمل الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعنا نخبرك بما هو جديد نعم لا شكرا