
تُعد مدينة وزان، المعروفة بلقب دار الضمانة، إحدى أعرق المدن المغربية ذات الطابع الروحي العميق. فهي ليست مجرد مدينة شمالية هادئة بين جبال الريف الغربي، بل موطن الزاوية الوزانية التي شكّلت عبر القرون مركزًا للعلم والدين والتصوف، ومحرابًا للأمان الروحي والاجتماعي لكل من قصدها.
أصل التسمية: لماذا “دار الضمانة”؟
يعود اسم دار الضمانة إلى المكانة التي كانت تحظى بها المدينة كمأمنٍ ومَلجأ لكل من طلب الحماية أو اللجوء. فقد اشتهرت وزان بأنها دارٌ “تضمن” سلامة كل من لجأ إلى زواياها وشرفائها، خاصة أتباع الطريقة الوزانية الذين جعلوا من التسامح والضمان القيمي أساسًا لعلاقاتهم مع الناس.
تأسيس الزاوية الوزانية
تأسست الزاوية الوزانية على يد الشيخ مولاي عبد الله الشريف في القرن السابع عشر، وهو من كبار الأولياء والعلماء الذين جمعوا بين العلم الشرعي والسلوك الصوفي. وبعد وفاته، واصل أبناؤه وأحفاده مسيرته، أبرزهم مولاي العربي الوزاني الذي وسّع نفوذ الزاوية، فغدت مركز إشعاع ديني وفكري واسع النفوذ في المغرب وخارجه.
الدور الديني والعلمي
لم تقتصر الزاوية على إقامة الشعائر الدينية، بل كانت أيضًا مدرسة روحية وعلمية تُدرّس فيها العلوم الشرعية واللغة العربية وعلوم التصوف.
أصبحت في فترات معينة بمثابة قرويين مصغّرة، حيث كانت تستقطب الطلبة والعلماء من مختلف مناطق المغرب، كما احتوت على خزانة من المخطوطات الدينية النادرة.
البعد الاجتماعي والاقتصادي
للزاوية الوزانية أيضًا دور اجتماعي وإنساني كبير. فقد كانت توفر المأوى للمسافرين والفقراء، وتقدّم الطعام في المواسم والمناسبات الدينية.
اعتمدت الزاوية على نظام الأحباس (الأوقاف) الذي مكّنها من الاستقلال المالي، وسمح لها بالمساهمة في تطوير البنى الاجتماعية، مثل التعليم ومساعدة المحتاجين، إلى جانب لعب دور وساطة في حلّ النزاعات المحلية.
الزاوية كرمز للوحدة الروحية والوطنية
عرفت الزاوية الوزانية مكانة مرموقة لدى السلاطين المغاربة، إذ كانوا يجلّون شيوخها ويستعينون بمكانتهم الروحية لترسيخ الاستقرار الاجتماعي.
كما ظلت الزاوية رمزًا للوحدة الوطنية والروحية، تجمع حولها مختلف الفئات والقبائل دون تمييز، فكانت بحق نموذجًا للتعايش المغربي القائم على القيم الصوفية السامية.
وزان اليوم: بين الأصالة والتجديد
في الزمن المعاصر، ما زالت مدينة وزان تحافظ على إرثها الصوفي من خلال تنظيم فعاليات مثل ملتقى دار الضمانة الدولي للذكر والسماع، الذي يجمع المريدين والمحبين من المغرب وخارجه لإحياء فنون الذكر والمديح النبوي.
كما أصبحت المدينة وجهة للسياحة الدينية والثقافية، بفضل معالمها التاريخية مثل ضريح مولاي عبد الله الشريف ومسجد الزاوية الذي يعود لأكثر من ثلاثة قرون.
تظل الزاوية الوزانية عنوانًا للسلام والروحانية في تاريخ المغرب، ومَعلَمًا شامخًا يعكس عمق الهوية الصوفية المغربية التي جمعت بين العلم والمحبة، وبين الأرض والسماء.
ومن خلال ما تحمله من رموز ومعانٍ، تستمر وزان ( دار الضمانة ) في أداء رسالتها كقلعة للأمان الروحي وذاكرة حية للتراث المغربي الأصيل.







