في أعماق جبال تازة الشاهقة، وبين ثنايا الصخور التي نحتها الزمن، تختبئ إحدى أعجب التحف الطبيعية في شمال إفريقيا: مغارة فريواطو، الكهف الذي يُعدّ من أعمق وأقدم المغارات المكتشفة بالمغرب، وواحداً من الكنوز الجيولوجية التي تحكي تاريخ الأرض بلسان الحجر والماء.
تقع المغارة على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً من مدينة تازة، في جماعة باب بودير التابعة لإقليم تازة بجهة فاس-مكناس، وسط منطقة جبلية غنية بالغابات والمنحدرات، وتعتبر مقصداً لعشّاق الطبيعة والمغامرين الباحثين عن أسرار باطن الأرض.
يتشكل هذا الكهف الأسطوري من صخور جيرية عملاقة نُحتت عبر ملايين السنين بتأثير المياه الجوفية، وتُزيّن جدرانه الصواعد والنوازل التي تلمع تحت أضواء الكشافات كأنها ثريات من بلور الأرض. ويتخلل المغارة مجرى مائي خفي ينساب بين تجاويفها، مما يضفي عليها حياة خفية وأصواتاً غامضة تشبه أنفاس الزمن نفسه.
يبلغ عمق المغارة مئات الأمتار، ويبدأ مدخلها بسلم طويل يتجاوز خمسمائة درجة نحو باطن الأرض، حيث تنفتح أمام الزائر دهاليز متشابكة وكهوف فرعية تخطف الأنفاس. ويُعتقد أن اسمها “فريواطو” ذو أصل أمازيغي، ومعناه “كهف الريح”، في إشارة إلى الأصوات التي تخرج من فوهتها كلما عصفت الرياح الجبلية، وكأنها حوار بين الأرض والسماء.
الأسطورة الشعبية روت أن المغارة كانت مسرحاً لقصة حب مأساوية بين فتاة تُدعى “يطو” وراعٍ فقير، عثر داخل المغارة على عسل شافاها من مرضها، لكن والدها رفض زواجهما، فكانت المغارة ملاذهما الأخير. ومع الزمن اختلطت الحكاية بالخيال، وصارت جزءاً من ذاكرة الأهالي الذين يرون في المغارة روحاً حية تسكن الجبل وتحرسه.
ورغم قيمتها الطبيعية والتاريخية، أُغلقت المغارة لسنوات طويلة لأسباب تتعلق بالسلامة، قبل أن تُباشر السلطات المحلية والوكالة الجهوية للمشاريع أشغال الترميم والتأهيل، من تثبيت الجدران الداخلية إلى تركيب الإنارة الحديثة وتأمين الممرات. هذه الجهود تهدف إلى إعادة فتح الموقع أمام الزوار ليكون وجهة سياحية وعلمية فريدة في الإقليم، تجمع بين الجمال الطبيعي والتراث الثقافي.
زيارة مغارة فريواطو ليست مجرد نزهة، بل رحلة في عمق الجغرافيا والخيال، تجربة تكشف مدى غنى الطبيعة المغربية وتنوّعها العجيب. فكل صخرة هناك تحكي قصة ماءٍ نحتها، وكل نسمة باردة تصعد من جوفها تذكّر الزائر بأن الأرض لا تزال تخبئ أسراراً لم تُكتشف بعد.
إنها مغارة فريواطو.. شاهدة على عظمة الخلق، ومرآة تعكس جمال المغرب العميق، ذاك الذي لا تراه العيون إلا حين تغامر بالنزول إلى قلبه.







